أواصل قراءاتى للدور الأمريكى فى العالم العربى والإسلامى، ومحاولتها الهيمنة والسيطرة على العالم كله وليس العربى والإسلامى، وذلك استنادًا للدراسة الخطيرة للمفكر الأمريكى اليهودى المعروف ناعوم تشومسكى فى كتابه «الهيمنة أم البقاء»: سعى أمريكا للسيطرة على العالم الذى رصد تطور الفكر الأمريكى من نشر الحرية إلى فكر السيطرة والهيمنة على العالم فيقول ناعوم: ولئن أثار ظهور الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها بعض القلق إلا أنها سرعان ما قوبلت بالترحاب من قبل حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا ومجتمع رجال الأعمال والنخب، ذلك أن هذه الفاشية والتطرف الوطنى سمح بمزيد من الاختراق الغربى الاقتصادى، وكذلك حطم الحركات اليسارية العمالية والتحررية التى كان يمكن أن تنمو فى ظلها، واستمرت هذه السياسات إلى ما بعد الحرب الباردة.
والأمر ذاته تم فى عقود سابقة بحق كوبا، فالهجمات الدولية الإرهابية ضدها والعقوبات الاقتصادية اللاقانونية أو ما تعرضت له جواتيمالا لم يكن بسبب ديكتاتورية قادتها وإنما لأنها مثلت نموذجاً خاصاً يتحدى الولايات المتحدة وسلطاتها، مما قد يغرى آخرين فى المنطقة باتباع النهج نفسه.
ولعل هذا «التدخل الإنسانى» الكاذب هو السبب وراء معارضة البنميين قصف أمريكا لأفغانستان بعد أحداث 11/9 بالرغم من إدانتهم لها، فهم ما زالوا يتذكرون موت الآلاف الفقراء حين جاءت القوات الأمريكية لاختطاف رئيسهم رجل العصابات المتمرد الذى حُكم عليه بالسجن مدى الحياة فى فلوريدا لجرائم ارتكبها فى الوقت الذى كان يتلقى راتبه من وكالة الاستخبارات الأمريكية.
الإرهاب والعدالة: يُثار سؤال حول الفرق بين الإرهاب الوطنى والعدوان، أو بين الإرهاب والمقاومة، خاصة لدى الحديث عن الحق فى «تقرير المصير والحرية والاستقلال كما نصت عليه مواثيق الأمم المتحدة لأولئك المحرومين من تلك الحقوق.. خاصةً أولئك تحت الحكم العنصرى والإمبريالى والاحتلال الأجنبى» النص السابق نال فى العام 1987 على 153 صوتاً مع وصوتين ضد، بالطبع كان للولايات المتحدة وإسرائيل ذلك لأن النص مس بكل من الحكم العنصرى فى أفريقيا وإسرائيل وكليهما حلفاء أولياء للولايات المتحدة، وهكذا فقد كانت إسرائيل وأمريكا وحدهما فى العالم مَنْ أنكر مشروعية التحرر بل وصفتاه بالإرهاب، وما يرشح للإعلام هو إرهابهم «ضدنا وضد عملائنا» وما عدا ذلك يختفى من السجلات وهذا بالضبط ما أثبتته أحداث 11/9 وغيرها، فالانتقائية فى تطبيق مبدأ العدالة العالمية هى التى أوقدت قاعدة التأييد «للإرهاب الإسلامى».
إن نظرة سريعة على السياسات الأمريكية والوجهة التى تتجهها تؤكد الاستنتاج بأن المبدأ الأساسى أن الهيمنة أهم من البقاء، وهذا كان واضحاً عبر نصف القرن الماضى، ولعله لهذا السبب رفضت الولايات المتحدة الانضمام لبقية العالم فى تعزيز وترسيخ اتفاقية الفضاء الخارجى للعام 1967 والتى تؤكد حفظ الفضاء للأهداف السلمية، والأمر نفسه ينسحب على حظر الأسلحة البيولوجية والكيماوية ومعارضة أمريكا لها.
الضوء الوحيد فى نهاية النفق هو التحرك الذى بدأ ينشط فى صفوف القوى العظمى الثانية على الأرض الذى لا يمكن تجاهله، فالرأى العام العالمى والحركات المناهضة للعولمة إذا ما اكتسبت زخماً يمكنها أن تحقق أهدافها ببناء عالم آخر وتقديم بدائل فكرية ومؤسسية وعملية وبنّاءة.
ومن دراسة المفكر الأمريكى ناعوم تشومسكى إلى دراسة أخرى للباحثة الفلسطينية صفاء عبدالوهاب على حملت عنوان «الاستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط» حيث ترى الباحثة أنه قد أصبح تعامل الولايات المتحدة مع منطقة الشرق الأوسط يسير وفق حاجات مصالحها التى تقتضى فرض واقع الاستقرار فى المنطقة، فمثلما كان التوتر الدائم فى هذه المنطقة أحد متطلبات الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتى، فإن الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط خلال مرحلة حكم الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن أحد المتطلبات الأساسية لمصلحة أمريكا من أجل تكريس قدرتها فى الهيمنة والانتصار على العالم وفرض شروطها على حلفائها الأساسيين فى أوروبا واليابان.
وقد أحست الولايات المتحدة أن الاعتماد على تنفيذ برنامجها الأمنى والسياسى فى منطقة الشرق الأوسط الذى يشمل مجموعة من الأولويات الضرورية للارتباط الأمريكى فى المنطقة لم يعد كافياً فى إحداث التغيير المطلوب بالمنطقة فهى لا ترغب فى محاربة التهديدات التى تواجهها فقط ولكن رغبتها تشمل أيضاً تغيير الديناميكيات الإقليمية التى تأتى بمثل هذه التهديدات فكان عليها أن تتابع الركائز الإضافية فى سياستها المتعلقة فى دول الشرق الأوسط، لذا تطلع العرب وجيرانهم أن يطال رياح التغيير الذى دعمه أوباما تجاه منطقتهم، غير أن ازدياد ونمو التساؤلات والشكوك لدى شعوب دول منطقة الشرق الأوسط قد جاء نتيجة لحاجة إدارة الرئيس أوباما الفعلية للتعامل فى سياق استراتيجية متكاملة تقوم على مواجهة عدد من القضايا الجوهرية التى تحدث فى المنطقة خلال هذه الحقبة الزمنية، بدءًا من الصراع العربى- الإسرائيلى مروراً بالخلاف الخليجى الإيرانى وصولاً إلى ربيع الثورات العربية فى تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وغيرها.
ويتناول الكتاب أو الدراسة فى فصله الأول ما يتعلق بالإطار النظرى للاستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط، حيث توظيف نظرية القوة فى الإستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط التى تقوم على السلوك الإستراتيجى الأمريكى الفعلى فى هذه المنطقة، والذى يمكن الوصول إليه من خلال ملامح الأهداف الأمريكية التى تسعى لتحقيقها فى ضوء المصالح الحيوية لها فى هذه المنطقة لما تتمتع به من مميزات إستراتيجية، حيث تنبع كل المصالح والأهداف الأمريكية من هدفها الرئيسى المتمثل بضمان وتأكيد الهيمنة على العالم بأسره، وقد بررت الولايات المتحدة مصالحها فى هذه المنطقة بأن لها عددًا من الأهداف الاستراتيجية وضمن الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية، بحيث جرت عملية صنع القرار وبناء هذه الأهداف من خلال المؤسسة المسؤولة عن صنع الاستراتيجية الأمريكية التى يمكن تقسيمها إلى: مؤسسة الرئيس- الكونجرس- مجلس الأمن القومى- وزارة الدفاع- المؤسسات الأمنية- وزارة الخارجية. يتبع.