أفرزت السنوات العجاف الأخيرة التى اجتاحت فيها ما أصبح يعرف بثورات الربيع العربى المنطقة، تغلغل إيرانى قوى فى البيئة العربية، حيث شكلت فوضى الثورات والأزمات التى عصفت ببلدان الشرق الأوسط، بيئة خصبة أسهمت بشكل كبير فى مد نفوذ طهران فى المنطقة، وتطبيق أجندتها السياسية التى استهدفت زعزعة استقرار الجوار الإيرانى، لاسيما منطقة الخليج العربى التى تعد جزأ لا يتجزأ من الأمن القومى العربى.
أجندة طهران السياسية استهدفت تدخلات فى شئون فى كل من سوريا واليمن والعراق ولبنان، بما فيها التورط العسكري ودعم وتمويل فصائل بعينها، وشكلت نتائج كارثية على المنطقة، لاسيما أن طهران نجحت فى تحريك المكون الشيعى فى البلدان الخليجية، ليصبح شوكة فى خصر الأنظمة العربية، وأداة سهلة فى أيد الدولة الشيعية، لذا أدركت الجامعة العربية سريعا خطورة الدور الإيرانى فى المنطقة.
وجاء التحرك العربى فى أروقة الجامعة العربية صباح يوم 19 نوفمبر، ليحمل رسالة واضحة إلى طهران مفادها أن "عليها التوقف فورا عن نشر التطرف والطائفية والتدخل فى الشؤون الداخلية للدول، ولوح بورقة مجلس الأمن أمام الخروقات الإيرانية التى لم تحترم الاتفاقيات ولا المواثيق الدولية، وتتحرك وفقا لمخططها"، لكن البيان الختامى للجامعة العربية تبعه تحفظ عراقى- معلوم الأسباب- على بعض بنوده، حيث وعد الجانب العراقى بأن يوافى الأمانة العامة بكتاب يتضمن رؤيته للتحفظات.
اجتماع الجامعة العربية
الدور الإيرانى فى العراق
كشف التحفظ العراقى وعدم مواكبة الإجماع العربى، النفوذ الإيرانى القوى داخل مراكز صنع القرار فى العراق، ذلك البلد الذى يمثل حديقة طهران الخلفية، ذلك النفوذ القوى الذى بدأ منذ الاحتلال الأمريكى فى 2003، وحتى الأن 2017، حيث شكلت الأزمات الأمنية التى عصفت بهذا البلد بعد اجتياح تنظيم داعش أغلب مدنه، بيئة خصبة لتنامى النفوذ الإيرانى، وملء الفراغ الذى أحدثه انشغال العرب بأزماتهم.
تمدد نفوذ طهران السنوات الأخيرة فى العراق، حيث دعمت طهران فصائل شيعية من أمثال عصائب أهل الحق الشيعية التابعة للحشد الشعبى، تلك المليشيا الشيعية الذى تأسست بدعم قوى من طهران، بذريعة محاربة التنظيمات الإرهابية فى مناطق شرق العراق، على الحدود الإيرانية العراقية، أصابع طهران امتدت فى العراق إلى مستويات لا يمكن تخيلها، على سبيل المثال فى هيكل الدولة المتمثل فى مؤسسات الحكم و وزارت الأمن وصولا إلى المسئولين الذين كانوا يحظون بدعم إيرانى واسع.
مليشيا الحشد الشعبى
قاسم سليمانى مهندس نفوذ إيران القوى بالعراق
الوجود العسكري الإيرانى المكثف فى العراق تحت غطاء التصدى لتنظيم لداعش ونفوذها القوى، أصبح منذ عام 2013 على مرأى ومسمع من العالم، وتتباهى به طهران فى وسائل إعلامها، وفى بدايات عام 2014، أعترفت إيران بوجود مستشارين عسكريين إيرانيين يقدمون المساعدات فى العراق وسوريا، فى مواجهة مقاتلى المعارضة المسلحة، ونشر إعلامها دور قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى قاسم سليمانى مهندس التمدد الإيرانى بالعراق، الذى ذاعت شهرته فى العراق وسوريا، وخلال إحدى إطلالاته فى يناير 2012، قال إن "إيران موجودة فى جنوب لبنان والعراق"، ووصف تدخلاته فى العراق وحربه ضد داعش بالفتوحات، مضخما من دوره فى عمليات تطهير محافظات فى العراق من الإرهاب.
قاسم سليمانى
الحشد الشعبى ذراع طهران الطولى فى العراق
سليمانى كان أحد ضباط إيران الذى ساهم فى تشكيل عناصر ما سمى بمقاتلى الحشد الشعبى، التى تشكل عشرات الآلاف وتضم من منظمات وفصائل مختلفة (من بينها منظمة بدر وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وسرايا الإسلام وغيرها من الجماعات الشيعية المسلحة)، وتحظى قواته المشاركة فى معارك تطهير العراق بدعم إيرانى كبير، وتأييد من قبل المراجع الشيعية العليا فى العراق وإيران، وهو ما يثير مخاوف كون هذه القوات تشكل أغلبها من طائفة الشيعة التى تعتبر ولائها الأكبر للمرجعيات الشيعية فى إيران، فى الوقت الذى حذرت منه منظمات دولية عدة من الدور الخفى الذى تلعبه هذه العناصر، من بينها منظمة العمل الدولية، التى قالت إنه ارتكب جرائم حرب وهجمات انتقامية وحشية فى حق السنة الفارين من تنظيم داعش، فى تقريرها عام 2015.
وبين الحين والأخر يعترف المسئولين الإيرانيين بحقيقة تدخلاتهم وطموحاتهم التى بدأت تحلق عاليا، بعدما وجدت الميدان خالى أمامها فى الساحة العراقية، وفى مارس 2015، صدر عن على يونسى مستشار الرئيس الإيراني للشئون الدينية والأقليات تصريح قال فيه: "إيران عادت إلى وضع الإمبراطورية كما كانت طوال تاريخها"، مضيفا أن بغداد باتت عاصمة لهذه الإمبراطورية، مشيرًا إلى أن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا إما أن نقاتل معا أو نتحد"، التصريحات التى لاقت ادانات عربية واسعة، لكنها كشفت عن إحدى جوانب المخطط الإيرانى فى المنطقة.
قوات فيلق القدس
تشكيل جيش التحرير الشيعى
مد النفوذ الإيرانى بالعراق، وصل إلى مدى أبعد من تشكيل فرقة من المقاتلين أو الإمداد المالى واللوجيستى، ولم يخفى صانع القرار فى طهران، والدوائر السياسية المغلقة طموحاتهم التى خرجت إلى الأضواء العام الماضى، وعبرت عن نوايا الدولة الشيعية فى جعل مليشيا الحشد المدربة والتى تقدر أعدادها بعشرات الألاف نواة لـ"جيش طائفى" أطلقت عليه "جيش التحرير الشيعى"، جاء ذلك على لسان الجنرال الإيرانى، محمد على فلكى ، قائد فيلق "سيد الشهداء" فى أغسطس 2016 الماضى، والتى قال فيها إن مليشيات الحشد، ستكون نواة لـ"الجيش الشيعى"، فى وقت تضرب المنطقة الملتهبة الصراعات الطائفية، وحذرت فيه منظمات دولية عدة من الدور الخفى لمليشيات الحشد الشعبى، من بينها منظمة العمل الدولية، قائلة إنه ارتكب جرائم حرب وهجمات انتقامية وحشية فى حق السنة الفارين من تنظيم داعش.
مليشيا الحشد الشعبى
انفصال كردستان مؤشر على امساك طهران بورق اللعبة السياسية فى بغداد
شكلت عملية انفصال اقليم كردستان العراق المحاذى لشمال غرب إيران أكتوبر الماضى، أيضا جانب أخر من جوانب سيطرة طهران على العملية السياسية فى العراق، فمن أجل دفع رياح الانفصال الكردية التى قد تهب على إلى الأقليات الكردية التى تعيش داخل إيران، أطلقت الأخيرة استراتيجية لمواجهة الانفصال، وقامت بجولات عديدة منها المعلن والخفى، ووقامت بتنسيق عسكرى كبير مع الحكومة المركزية فى بغداد، فضلا عن عقد قاسم سليمانى تفاهمات كبرى مع زعيم الاقليم مسعود برزانى لم تظهر إلى العلن، لكنها أفضت فى النهاية إلى إيقاف عملية الانفصال أو ربما تأجيلها.
اللافت فى الأمر هنا ليس قوة طهران فى إيقاف عملية فصل هذا الاقليم العراقى عن بغداد، وإنما مدى التغلغل والنفوذ الإيرانى الكبير الذى بات يعيشه العراق اليوم، حتى أصبحت تسيطر إيران على قراراتها السياسية وأوراق اللعبة فى بغداد، وهنا يكمن سر التحفظ العراقى على إدانة التدخلات الإيرانية بالجامعة العربية، فلا يمكن فصل هذا التحفظ أمس، عن نفوذ الملالى بدولة العراق العربية.
قادة الحرس الثورى والمرشد الأعلى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة