أواصل قراءاتى للدور الأمريكى فى العالم العربى والإسلامى، ومحاولتها الهيمنة والسيطرة على العالم كله وليس العربى والإسلامى، وذلك استنادًا للدراسة الخطيرة للباحثة الفلسطينية صفاء عبدالوهاب على وحملت عنوان «الاستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط»، حيث تشير الباحثة فى الفصل الثانى من دراستها إلى الاستراتيجية الأمريكية الجديدة فى الشرق الأوسط، حيث مثلت سلسلة من الأهداف التى تسعى إدارة الرئيس باراك أوباما إلى تحقيقها فى هذه المنطقة، نتيجة التراجع فى نفوذ وتأثير الولايات المتحدة بسبب السياسات الخاطئة التى اتبعت خلال إدارة الرئيس جورج بوش الابن التى فرضت على الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما أن يبادر بطرح مجموعة من السياسات التى من خلالها يستطيع التعامل بفاعلية، وبما يخدم الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة فى هذه المنطقة الحيوية، كما تطلبت الانتباه الشديد من جانب الإدارة الأمريكية السابقة إلى طريقة التعامل معها، فإيران تخطت العتبة النووية، وهناك الوضع الهش فى العراق الذى يستنزف القوة المسلحة الأمريكية، وهناك الحكومات الضعيفة فى لبنان وفلسطين فى ظل قوة متصاعدة للميليشيات المسلحة، والمتمثلة فى حزب الله فى لبنان، وحركة حماس فى فلسطين، مع غموض كبير يلف خطوط سياسات أوباما فى الشرق الأوسط، ولاسيما فى ساحة النزاع الإسرائيلى - الفلسطينى.
وفى هذا الإطار فقد عمل الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما على إعادة ترتيب أولويات سياسته الخارجية فى الشرق الأوسط، من خلال عدم الاستمرار فى جعل العراق هى القضية الرئيسية كما فى الأعوام السابقة لحكم إدارته، لهذا عمد بصورة تدريجية على تخفيف الوجود العسكرى الأمريكى فى العراق ونقل المسؤولية الأمنية إلى العراقيين، ولكن فى نفس الوقت أخذ فى الحسبان أن الوضع هناك ما يزال هشاً للغاية، لذا ركز أوباما منذ بداية إدارته فى البيت الأبيض على أربع قضايا رئيسية تتعلق بالجانب السياسى هى النزاع الفلسطينى - الإسرائيلى، وفى الجانب الأمنى تشمل العراق وأفغانستان والملف النووى الإيرانى إلى جانب أربع إشكاليات هى العلاقات بين بلاده والعالم الإسلامى وعمليات التنمية السياسية فى الشرق الأوسط.
وتتناول الباحثة فى موضع آخر من دراستها الاستراتيجية الاقتصادية الأمريكية فى الشرق الأوسط، حيث تعتقد القيادات السياسية الأمريكية، بأن بسط السيطرة الأمريكية عالمياً هو مفتاح الأمان الرئيسى لقيادة الزعامة، وتكريس استمرارها خاصة بعد تبدد مشاعر الخوف من التهديدات التى كان يمثلها الوجود السوفيتى السابق كقوة عظمى منافسة، وبعد دخول حقبة العولمة المتصاعدة تحت زعامة الولايات المتحدة الأمريكية، فقد اعتبر الأمريكيون أن القوة الاقتصادية وليست القوة العسكرية هى وحدها المقياس المهم لتحديد مدى ما تتمتع به من قوة عالمية شاملة، خاصة مع محاولات تقليص المنافسة على الساحة الدولية سواء فى أوروبا أو فى آسيا.
وأشارت إلى أن هناك تركيزاً أيضاً على السياسات الاقتصادية ضمن الاستراتيجية الأمريكية التى سعت إدارة الرئيس باراك أوباما لتحقيقها فى منطقة الشرق الأوسط التى تتمثل فى: التنافس الأمريكى مع الدول الكبرى فى الشرق الأوسط، وتأمين الطاقة.
وتنتقل الباحثة إلى الاستراتيجية الأمنية الأمريكية فى الشرق الأوسط، وتوضح أن انتهاء الحرب الباردة بتفكك وزوال الاتحاد السوفيتى عام 1991 شكلت الفرصة السانحة للولايات المتحدة الأمريكية من أجل إعادة إحياء مشروعها بالهيمنة على العالم، عبر إقامة نظام سياسى اقتصادى دولى خاضع لها، بعد أن كان مشروعاً يراود الساسة الأمريكان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، لاعتقادهم بأن الأمور كانت مناسبة لتحقيق ذلك بعد خروج الولايات المتحدة كأكبر قوة عسكرية واقتصادية تحتكر السلاح النووى، مقابل ضعف القدرات العسكرية والاقتصادية للدول الأوروبية وغير الأوروبية الكبرى جراء الحرب.
ولغرض تحقيق هذه الهيمنة على العالم استندت الاستراتيجية الأمريكية على مرتكزين، أولهما يقوم على تضخيم عناصر القوة القومية والوصول بها إلى أعلى مراتب القوة، وفقاً لطروحات بعض المفكرين ومنهم المفكر الواقعى هانز مورجنثاو، وثانيهما يركز على العمل لإقامة نظام سياسى اقتصادى، حسبما أورده السفير الأمريكى جورج كينان فى كتابه «استراتيجية الاحتواء».
إن الخطوة الأولى لتحقيق تلك الهيمنة على العالم فى مرحلة ما بعد الحرب الباردة، بدأت من منطقة الشرق الأوسط وتمثلت بشن حرب على العراق، ومن بعدها السعى لخلق بؤر مناسبة للصراعات الإقليمية ومن ثم التدخل فى إدارتها حتى تصل إلى فرض الحلول المناسبة لها بما يخدم المصالح الأمريكية فى المنطقة، بالإضافة إلى فرض أساليب جديدة ترشح منطق القوة فى العلاقات الدولية، غير أنها واجهت تحديات كبيرة فى المنطقة بعد قيامها بتهميش جميع القوى الأخرى، فى العالم وربطها بأزمات داخلية سياسية واقتصادية بعد أن بدأت للترويج إلى مفاهيم حديثة فى المجال الاقتصادى مثل الحرب الاقتصادية والتجارة العالمية، وإلغاء الحواجز الجمركية وفتح الأسواق المالية والتدخل فى السياسات العامة للدول عن طريق: المديونية عبر صندوق النقد الدولى، المنح والقروض المشروطة سياسياً، والتدخل فى عالم الاتصالات وثقافات الشعوب وترويج قواعد السلوك والثقافات والقيم الأمريكية للتأثير على سلوك الأفراد وتفكيرهم... يتبع.