ربما تكون مصادفة أن يأتى الجزء الثانى من كتاب «ذات يوم.. يوميات ألف عام وأكثر» للصديق الكاتب سعيد الشحات فى وقت يشتد فيه الجدل حول التاريخ، وتدور معارك- بعضها فارغ- ومبارزات حول أشخاص ووقائع، ويتم هذا لأهداف غير المعرفة، معارك غالبا ما تقود إلى تشويش، أو تشويه، بعيدا عن الحدث الأصلى، ثم إنها معارك صوتية يبحث بعض صناعها عن ضجة.
وفى الغالب يبدو البعض كأنه يتعارك على تاريخ ما زال بحاجة لمن يقرأه، ولهذا فإن المجلد الثانى من ذات يوم، مع المجلد الأول، يمثلان جهدا مهما فى توثيق التواريخ والوقائع، من زوايا مختلفة، ومن دون تدخلات مخلة، فقط أسلوب رشيق للكاتب، مع حرص على تقديم وجهات نظر الأطراف المختلفة فى حدث مثير للجدل بطبعه.
لهذا يتحدث سعيد الشحات فى مقدمة الجزء الثانى عن أنه كثيرا ما يجد قارئا يخبره أنه قرأ أو سمع عن حكايته، بشكل مختلف، أو أن هناك وقائع متناقضة، ولهذا يشير سعيد الشحات إلى «حجم الجرم الذى يرتكبه البعض فى تشويه تاريخنا، تتنوع وسائل هذا التشويه» من خلال ذكر وقائع غير حقيقية من دون علم، أو بغرض التوظيف السياسى، فيقلبون الحقائق ويبرؤون المدان ويدينون البرىء.
يتعرف القارىء على مصائر مئات الأبطال والوقائع، جالسا على شاطئ الحكايات يرى نهايات تولد منها بدايات، تموت أسماء وتحيا أخرى، وتتقلب صفحات التاريخ بين يدى سعيد الشحات، ضمن عمل موسوعى لا تغيب عنه الفكرة، حيث إن التشويق والتسلية ستار ليقدم الكاتب وجبة ثرية من التفاصيل الدقيقة، حيث تجد فى 5 يناير 1961 حكاية بيرم التونسى الذى يرحل فى هذا اليوم بعد حياة مليئة بالإبداع، لكن سعيد الشحات لا يرسم نهاية بيرم، لكنه يبدأ بقصة أوبريت سيد درويش وبيرم «أنا المصرى كريم العنصرين»، حيث يقول سيد درويش لبيرم أن حجة الإنجليز أمام العالم لتبرير استعبادنا، إننا شعب ضعيف، لا يستطيع حكم نفسه، وأننا بحاجة دائمة إلى حماية، علشان كده يابيرم الأوبريت من أولها لآخرها لازم يكون فيها تمجيد للإنسان المصرى من أوله لآخره «فيكتب بيرم» أنا المصرى كريم العنصرين/ بنيت المجد بين الاهرامين».
وفى الحكاية التالية 6 يناير 1946 جنازة أمين عثمان وزير المالية فى حكومة الوفد، والذى سمى رجل الإنجليز، وتم اغتياله بثلاث رصاصات واتهم فى اغتياله أنور السادات، ومحمد إبراهيم كامل وكلاهما حصل على البراءة، ليلتقيا معا فى عالم السياسة بعد أكثر من ثلاثين عاما، ويصبح محمد إبراهيم كامل وزيرا للخارجية مع الرئيس السادات، ويستقيل احتجاجا على كامب ديفيد.
بعد أيام تلتقى فى ذات يوم مع محمود درويش الشاعر الفسطينى الكبير وهو قادم للعيش فى القاهرة عام 1971، وفى الصيف تقابل العقيد إبراهيم الرفاعى أسطورة الصاعقة والجيش المصرى، فى مواجهات حرب الاستنزاف صيف 1968.
وفى الخريف ترى معركة الفالوجا وحصار الجيوش العربية فى النكبة، ثم وقف إطلاق النار عام 1973، وفى الشتاء تتجول مع سعيد الشحات إلى ثورة 1919 واعتقال سعد زغلول. وتعود لتلتقى مع محمد إبراهيم كامل وهو يعترض على حضور مناحم بيجين لأدائه القسم وزيرا للخارجية عام 1977 وتتواصل الحكايات لتصل إلى قصة سجن العقاد تسعة أشهر بتهمة العيب فى الذات الملكية.
يتنقل سعيد الشحات برشاقة بين رجال السلطة وضحاياها، ونجوم الفن وأساطيرهم ومآسيهم، أغنيات تختلط بأصوات الرصاص، ومثلما قلت عن الجزء الأول من ذات يوم، فإن التاريخ ربما لا يقدم دروسا لأحد، والدليل أن الأحداث تتكرر، والأخطاء، مثلما قال الفيلسوف الألمانى هيجل، حيث لا مفاجآت لهؤلاء الذين يقرأون التاريخ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة