شوية عقل بقى ياجماعة، لم يعد مقبولا أن نتعامل مع القضايا المصيرية لهذا الوطن على طريقة «العركة فى الخمارة»، ولم يعد جيدا أن يقود مثل هذه المعارك من نفترض فيهم تصدرهم لمشهد النخبة والمثقفين فى مصر.
أى عقل هذا وأى مثقف هذا الذى يحدثنا فى الصباح عن الدولة المدنية، وعن خطورة إطلاق يد مؤسسة ما فى تحديد مصائر البشر هذا كافر وهذا مؤمن، هذا فى الجنة وهذا فى النار، ثم يعود فى الليل مرتبكا تحت وطأة حادثة ضخمة، ويتصدر قائمة المطالبين بأن تصدر نفس المؤسسة التى كان يحذر من توغل نفوذها فى الحياة المدنية بأن تصدر بيانا بتكفير داعش أو غيرها.
مؤسف حقا أن يقود مظاهرة مطالبة الأزهر الشريف بتكفير داعش عدد من المثقفين والإعلاميين الذين طالما صدعونا بخطورة إقدام الأزهر على مقاضاة باحث أو شيخ أو مفكر بسبب اجتهاد فقهى أو رأى دينى، بينما هم أنفسهم الآن يريدون تحويل الأزهر إلى مؤسسة لتوصيل طلبات التكفير ورخص الجنة والنار.
ومؤسف جدا مسألة خلط القضايا وإفراغها من مضمونها من قبل هؤلاء الذين يطرحون أسئلة شديدة الجهل حول كيل الأزهر بمكياليين فيما يخص مواجهته لإسلام بحيرى أو تكفيره لفرج فودة ونصر حامد أبو زيد ورفضه لتكفير داعش، لأن أصحاب هذه الأطروحة يعلمون جيدا أن الأزهر لم يصدر بيانا رسميا كالذى يطالبون بإصداره الآن لتكفير شخص بعينه، وأن شيوخا أزاهرة محسوبين على المؤسسة هم من أطلقوا أحكام التكفير وتم تسجيلهم فى مفكرة التاريخ كنقطة سوداء فى تاريخ الأزهر وشيوخا دينهم التطرف والحسبة مثلهم مثل أهل التشدد من السلفيين والدواعش والإخوان.
المبدأ واحد ولا يتغير، الأزهر وأى مؤسسة فى الدنيا لا ينبغى أن تكون جهة إصدار لأحكام التكفير،لا على أشخاص ولا على جماعات، تلك كارثة كبرى، لأن من يطالب بمنح الأزهر سلطة تكفير داعش، لا يفهم أنه يمنح الأزهر سلطة تكفيره هو غدا.
آسف جدا لأن أخبركم بهذه الحقيقة التى تقول بأن كل من يدعو الأزهر لإصدار بيان رسمى بتكفير داعش، يمثل بروحه وعقله رحمًا ينمو بداخله داعشى صغير، لأنه يريد أن يصدر حكم التكفير لفئة أو لأشخاص وهو يظن أنه على حق، مثله فى ذلك مثل الداعشى الذى يكفره ويبيح دمه وهو يظن أنه على حق.
كل صاحب فكرة متطرفة، تمنح نفسها حق التكفير واستباحة الدم، سواء كان داعشيا أو سلفيا أو إخوانيا أو ينتمى للقاعدة، مجرم وقاتل، هم فى حكم المجرمين والقتلة على هذا الأساس نواجههم، على هذا الأساس نخوض حربنا معهم، فى المواجهات المباشرة نقتلهم برصاص الحق، حقنا فى حماية ديننا ووطننا ومستقبلنا الذى يهددونه، وفى المواجهات الفكرية نفضحهم ونكشف فكرهم وفساد عقيدتهم أمام المجتمع كله، وأمام المحاكم لا نرضى بأقل من إعدامهم.
الدواعش وغيرهم من أصحاب الفكر المتطرف وأهل الإرهاب قتلة ومجرمون وأهل عقيدة فاسدة ومزورة، نقاتلهم حتى آخر نفس وآخر نقطة دم هم ومن يحرضهم ويدعمهم ومن يتعاطف معهم، وغضبنا من جرائمهم لا يجب أبدا أن يدفعنا لارتكاب جريمة أكبر فى منح مؤسسة الأزهر سلطة التكفير، فلا نحتاج إلى تكفير داعش كى نقاتلهم، وتكفير المجرم والمفسد فى الأرض لن يمنحك سلطة قتاله بالقدر الذى تمنحك جريمته وفساده، يمكنك أن تدرك ذلك بتأمل آيات القرآن الكريم، وقتها ستجد أن عقاب المجرمين والمفسدين فى الأرض أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، بينما لن تجد عقوبة مثلها لشخص لمجرد أنك حصلت على بيان رسمى بكفره.. «اعقلوا بقى شوية يا جماعة».