عزيزى اللورد روتشيلد يسرنى أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته بالتصريح التالى الذى يعبر عن التعاطف مع طموحات اليهود الصهاينة التى تم تقديمها للحكومة ووافقت عليها، إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين وستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه الغاية، على ألا يجرى أى شىء قد يؤدى إلى الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية للجماعات الأخرى المقيمة فى فلسطين أو من الحقوق التى يتمتع بها اليهود فى البلدان الأخرى أو يؤثر على وضعهم السياسى، وسأكون ممتنا لك إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيونى علما بهذا البيان، المخلص آرثر بلفور .
هذا ما كتبه وزير الخارجية البريطانى بلفور فى يوم 2 نوفمبر من سنة 1917 إلى المصرفى البريطانى وأحد زعماء اليهود فى بريطانيا البارون روتشيلد يبشره فيها بوقوف الإمبراطورية البريطانية بجانب الصهاينة فى محاولاتهم لإيجاد وطن لهم فى فلسطين .
هذه الرسالة التى ضيعت وطنا عمرها بالضبط 100 عام بالتمام والكمال، ومنذ أن نطق بها بلفور تغير كل شىء فى الحياة، فلم يعد العالم قبلها مثلما صار بعدها، فقد حصلت العصابات اليهودية على التغطية اللازمة لتمارس جبروتها وتستولى على أرض ليست لها وتسرق حق شعب كامل وبدأت الأزمات التى لن تنتهى أبدا .
كانت نتيجة هذا الوعد خطيرة جدا بكل المقاييس لكن فى رأيى أن الكارثة لا تكمن فى وعد بلفور فقط، لكنها تكمن فى أننا صدقنا ذلك الوعد المشئوم، وأصبحت حياتنا قائمة على التنديد به، وحتى الآن نطالب بريطانيا بالاعتذار عنه، وهذا حقنا، لكنه ليس كل الحلول حتما هناك حلول أخرى بعيدا عن الاعتماد على الآخرين .
المشكلة تكمن فى أننا بدأنا نتعامل مع الكيان الإسرائيلى على أساس أنه صار واقعا لا يمكن الخلاص منه، وتوقفنا عن التفكير فى فساد رأس الأمر، الذى هو احتلال فلسطين، وصرنا نرضى بفتات الأشياء ونسعى للحصول على بعض الحقوق.
على كل المنظمات العربية وعلى الدولة الفلسطينية أن تدرك أن وعد بلفور هو ما فعله القوى بالضعيف، ولا يزال يفعله، ولن يتوقف إلا عندما يشعر بقوة الآخر، وفى ظل التشتت والضعف الذى يعيش فيه العربى فإننا لن نتحرك للأمام، لأن السياسة العادلة لن تكون يوى بين أنداد، لكن فى حالة وجود طرف قوى وآخر ضعيف فإن الأمر يكون سيطرة ينتهى باحتلال .
وطبعا مفهوم القوة اختلف ولم يعد قاصرا على الجانب العسكرى فقط، لكنه صار يعتمد أكثر على الاقتصاد والعلاقات الدولية والقدرة على التأثير فى سياسة الآخر، ونحن العرب نملك على الأقل جزءا من اقتصاد العالم الذى يمكن من خلاله أن نحصل على بعض المكاسب فى الملف الفلسطينى على أن يكون ذلك بداية لمشوار طويل لكنه سينجح فى النهاية.
100 عام على وعد بلفور يجب أن تجعلنا نقف مع أنفسنا لنفكر، دون يأس، بأن السنوات تمر وأن وقوفنا ننتظر اعتذار بريطانيا لن يفيدنا بشىء .