كلى يقين بأن الخامس من نوفمبر سيظل عالقاً فى أذهان الكثيرين لسنوات طويلة، لأنه يعبر عن التغيير الذى حدث فى العلاقة الملتبسة بين الشباب والسلطات الحاكمة، أو بمعنى أدق غياب الحوار وتلاقى الأفكار بين الجانبين، رغم أن التكامل يجب أن يكون الحاكم لهذه العلاقة، لكن هذا التكامل غاب كثيراً عن أجندة العديد من الأنظمة الحاكمة، وتحديداً فى الدول النامية التى غالباً ما وقفت فى وجه أى أفكار شبابية لإجهاضها، وهو ما قضى على أى فرصة للتغيير أو الانطلاق للمستقبل.
مصر كانت جزءا من هذه المنظومة الدولية والإقليمية التى لم تحاول الاستفادة من أفكار الشباب، إلى أن جاءت فكرة عقد مؤتمر الشباب، عقب تبنى الرئيس عبدالفتاح السيسى لمقترح اعتبار 2016 عام الشباب، وما تلاه من قرارات وإجراءات هدفت فى الأساس إلى تمكين الشباب فعلياً وعلى أرض الواقع، سواء بإعطائهم الأولوية فى المناصب الحكومية والتنفيذية، أو تدريبهم ليكونوا قادة المستقبل، من خلال «البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة» الذى أخرج لنا شبابا يعملون الآن معاونين للوزراء والمحافظين، وفى مناصب قيادية.
وسنت مصر سنة حميدة من خلال عقد مؤتمرات الشباب التى كانت البداية لها فى مدينة شرم الشيخ فى أكتوبر 2016، وهو المؤتمر الذى كسر الهوة بين الشباب والحكومة، خاصة حينما سمح للشباب أن يناقشوا الوزراء وكل مسؤولى الدولة علنا وأمام الجميع، وفى حضور رئيس الدولة فى كل الخطط التنفيذية، وطرح الحلول والمقترحات التى أخذت طريقها للتنفيذ والمتابعة الدقيقة من رئيس الدولة نفسه الذى لا يمر وقت إلا ويسأل ويتابع، أخذاً فى الاعتبار إيمانه القوى بأن قوة مصر فى شبابها، وأن فى مصر شباب لديهم القدرة على تحمل المسؤولية، شريطة أن يحصلوا على الثقة.
قبل انعقاد مؤتمر الشباب فى شرم الشيخ وما تلاه من مؤتمرات فى القاهرة وأسوان والإسكندرية والإسماعيلية، كانت هناك حالة من الشك حول ما يمكن أن ينتهى إليه، وهناك من تحدث عنه باعتباره «ديكور» لتجميل وجه الدولة، لكن على أرض الواقع لم يكن المؤتمر أبداً ديكور، بل درسا قاسيا للجميع، للمسؤولين قبل الشباب أنفسهم، وكم سمعت من شباب لم يحالفهم التوفيق المشاركة فى أى من مؤتمرات الشباب، لو أتيحت له فرصة المشاركة لكى يستفيد من حالة النقاش والخبرة التى سيكتسبها.
أعود مرة أخرى إلى الخامس من نوفمبرالذى يوافق غداً الأحد، وهو موعد انطلاق «منتدى شباب العالم»، وفكرته بساطة أن شباب مصر قرروا أن يعمموا تجربتهم، وأن يشركوا شباب العالم فى الحوار المفتوح حول القضايا والأزمات التى يعانى منها العالم ولدى الشباب مقترحات للحلول، فتم طرح الفكرة فى مؤتمر الإسماعيلية وتبناه الرئيس، ثم جرى التأكيد عليها فى مؤتمر الإسكندرية، وبدأت آلة العمل، إلى أن وصلنا إلى انطلاق المنتدى غداً بمدينة شرم الشيخ، بمشاركة أكثر من ثلاثة آلاف مشارك بينهم قادة ووزراء ومسؤولون دوليون، وشباب أصحاب تجارب ناجحة.
من وجهة نظرى فإن أهمية هذا المنتدى ليس فقط فى أجندته، إنما فى تنوع جنسيات وتجارب الشباب المشاركين التى فاقت كل التوقعات بما سيسهم بشكل كبير فى إثراء النقاش وإجراء حوار مُعمق حول مختلف القضايا والتحديات العالمية التى تؤثر وتتأثر بالشباب، خاصة مع تأكيد القائمين على المنتدى مشاركة شباب ينتمون إلى أكثر من 100 جنسية، من بينهم عدد من أبرز الشخصيات الشابة المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعى، وهو ما يؤكد أن التنوع هو الصفة الغالبة، وهو ما كنا بحاجة له، لأننا لا نريد أن نحدث أنفسنا، بل نتحدث ويسمعنا غيرنا، ونستمع فى نفس الوقت لتجارب الآخرين لكى نستفيد منها.
هذا العدد الكبير من المشاركين سيكون أداة دفع قوية للمنتدى، لأنهم سيثرون النقاش التفاعلى، خاصة فى الجلسات التى ستشهد حضور قيادات سياسية واقتصادية وثقافية وشخصيات عامة من ناحية، وكوادر شبابية واعدة فى مجالات العمل العام وريادة الأعمال والأدب والفنون والرياضة من ناحية أخرى، فمثل هذه الجلسات تُمثل فرصة نموذجية لفتح الباب أمام الدمج الفعال لمنظور الشباب واحتياجاتهم وتحدياتهم فى عملية صناعة السياسات والنقاش المجتمعى، فى إطار من الشراكة التى نحتاجها تحديداً فى هذا التوقيت شديد الحساسية، التى تتطلب تكاتف الجميع من أجل الحفاظ على الدول قائمة، وهنا يأتى الحديث عن المشاركة رفيعة المستوى فى أعمال المنتدى التى ستضم عددا من رؤساء الدول والحكومات كضيوف شرف ومتحدثين رئيسيين فى بعض الجلسات، ومع كل منهم وفود شبابية رشحتها منظمات واتحادات الشباب على المستوى الوطنى، وهنا يبدو لافتاً للنظر أن إدارة المُنتدى حرصت على تحقيق التوازن الجغرافى، وكذلك التكافؤ بين الشخصيات العامة والقيادات الشابة فى كل جلسة، فضلاً عن مراعاة التمثيل المتكافئ بين الجنسين فى مختلف الجلسات، حتى تكون الاستفادة عامة وشاملة للجميع، وليست قاصرة على قطاع معين أو فئة محددة، لأن المؤتمر أو المنتدى ليس منتدى لشباب مصر، وإما لشباب كل العالم، وبالتالى فإن الأولوية ستكون للقضايا التى تهمهم.
لكل ذلك أستطيع التأكيد أن يوم الخامس من نوفمبر سيظل عالقاً فى أذهاننا كثيراً، ويمكن اعتباره عيداً لشباب العالم، فرغم وجود العديد من المنتديات الشبابية على مستوى العالم، إلا أن منتدى شرم الشيخ له طابع خاص، لأنه يحقق المعادلة الصعبة سواء من خلال طرح موضوعات تهم قطاع كبير من الشباب، وأيضاً يحظى بحضور رسمى من دول كثيرة، وهو ما يؤكد نظرية الدمج المفيدة للوصول إلى النتيجة التى تم التخطيط لها منذ البداية، وهى أن نسمع بعضنا البعض، أو كما جاء فى شعار المنتدى «نحتاج لنتحدث».