تواجه المنطقة حالياً وضعا فى غاية الصعوبة، والسبب فى ذلك بكل تأكيد هى إيران، لأنها أرادت أن تكون فى وضعية تثير من خلالها قلق الجميع، تعمل على تهديد أمن دول الخليج، وفى نفس الوقت تعادى إسرائيل، فتظهر العرب وإسرائيل وكأنهما فى خندق واحد، رغم أن بينهما الكثير، أقله بطبيعة الحال حقوق الفلسطينيين المهدرة.
لدينا الكثير من التعليقات على التدخلات الإيرانية فى الشؤون الداخلية لدول المنطقة، خاصة دول الخليج، عبر معتنقى المذهب الشيعى، وممن لهم امتدادات أيديولوجية وسياسية فى إيران، مما أثر على علاقة هذه الدول بطهران، فباتت الأخيرة فى وضع العدو، لما لا والثابت أن ملالى إيران لا هدف لهم إلا فرض سطوتهم على الخليج العربى كمرحلة أولى، تليها مرحلة التمكين فى المنطقة بأكملها، وأمامنا ما يحدث فى اليمن ولبنان وسوريا، وكلها تشير إلى النوايا الإيرانية السيئة تجاه جيرانها، فبدلاً من البحث عن القواسم المشتركة، التى يتم البناء عليها وصولاً إلى التعاون لخدمة قضايا المنطقة ومتطلبات الشعوب، نجد إيران تصدر العداء للجميع.
إسرائيل تشكو أيضاً من إيران، وتعتبرها عدوا، رغم أن إيران فى الماضى كانت مع تركيا أكبر حلفاء تل أبيب، لكن الوضع تغير جزئيا وليس كلياً، أقول جزئيا، لأن العلاقات لم تنقطع بشكل كامل، حتى وإن كانت إيران تحت حكم الملالى ترفع شعار «الموت لإسرائيل»، فالشعارات غالباً لا تمحو الواقع الذى يشير إلى نفاذ فى العلاقات، حتى وإن كان تحت ستار آخر، لكن ما يهمنا الآن هو ما وصلت له العلاقة العلنية بين تل أبيب وطهران.
إسرائيل تنظر لإيران على أنها أكبر مهدد لوجودها، وتسعى إلى إثارة الولايات المتحدة الأمريكية ضدها، ولم تكتف بذلك، بل تسعى إلى جذب العرب لجانبها، وهو ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو علناً، الجمعة الماضى، أمام مركز الأبحاث «شاتام هاوس» فى لندن، بأن الخطر الذى تشكله إيران على جيرانها فى الشرق الأوسط سيدفعهم إلى إقامة تحالفات كان «من غير الممكن تخيلها» قبل الآن، وتأكيده أن «إيران تلتهم جيرانها بلدا بعد الآخر، تفعل ذلك إما عبر الغزو مباشرة أو عبر الوكالة، لقد سيطروا على لبنان واليمن، ويحاولون فعل نفس الشىء فى العراق وسوريا، الخبر السار هو أن الآخرين يتجمعون حول إسرائيل بشكل لم يحدث سابقا. إنه أمر لم أتوقعه أبدا فى حياتى»، موضحاً أن إسرائيل تبذل «جهودا شاقة» لتشكيل تحالف مع «الدول السنية العصرية لإدانة ومكافحة العدوان الإيرانى»، متابعا: «أعتقد أن ذلك يعد فعلا بالسلام».
تصريحات نتنياهو تزامنت مع حديث وسائل إعلام إسرائيلية عن تقرير سرى، جرى إعداده من قبل مسؤولين سابقين فى الاستخبارات الإسرائيلية، كانوا يعملون فى دول أوروبية وغربية مختلفة، قالوا إن هناك مواجهة عسكرية محتملة قد تندلع بين إسرائيل و«حزب الله» اللبنانى، الذى يعد ذرع إيران القوية فى لبنان، وقال الإعلام العبرى: إن التقرير الإسرائيلى عرض، خلال مناقشة دورية فى معهد «واشنطن لسياسات الشرق الأوسط»، وتوصل المجتمعون إلى خلاصة أن الحرب المقبلة ستكون مغايرة تماما، وأن «حزب الله» اللبنانى سيقوم بنقل المواجهة والحرب إلى الداخل الإسرائيلى، وجاء فى التقرير أيضاً أن «حزب الله» خزن حوالى 100 ألف صاروخ منذ عام 2006، كما أنه أضاف إلى ترسانته العسكرية أسلحة وصواريخ مضادة للدبابات والطائرات المسيرة، بخلاف حصول الحزب على خبرة قتالية كبيرة ومهمة من خلال الحرب السورية التى شارك فيها بجانب الحرس الثورى الإيرانى.
هذا التقرير بجانب تصريحات نتنياهو تشير إلى أن إسرائيل بدأت تروج لفرضية مفادها أن المنطقة مقبلة على حرب، تبدأ بالوكالة، وتنتهى إلى صدام مباشر بينها وبين إيران، وتحاول تل أبيب فى نفس الوقت استمالة دول المنطقة، خاصة دول الخليج إلى جانبها، معتمدة على حالة القلق التى تنتاب الخليجيين من التصرفات والتحركات الإيرانية فى المنطقة.
من يتابع التحركات الإسرائيلية التى تضغط من جهة أخرى على الإدارة الأمريكية المتحمسة بالأساس إلى مواجهة طهران، سيتأكد أن الحكومة الإسرائيلية ستحاول بشتى الطرق استخدام الملف الإيرانى للعمل على تأسيس أو تشكيل تحالفات جديدة بالمنطقة، تحالفات لم يكن يتوقعها أحد، وهو ما يدعونا إلى التفكير مرة أخرى وبلغة الحسابات والمصالح، حول ماذا نريد وإلى أين سنذهب؟ هل مشكلتنا مع إيران ستدفعنا إلى التحالف مع إسرائيل ونسيان القضايا والمسائل الخلافية الأخرى، أم أن الطريق للتفاهم مع إيران يجب أن يبقى مفتوحاً للحوار والنقاش.
بالتأكيد الوضع معقد وصعب جداً، لأن القضية لا تتعلق باستبدال عدو بآخر، وإنما الهدف الأساسى الذى تسعى له الدول العربية، هو الحفاظ على أمن الإقليم، والوقوف فى وجه محاولات التخريب والتدمير، وهو ما يجب أن يفطن له جيداً الإيرانيون قبل الإسرائيليين، لأن الكرة الآن أصبحت فى ملعبهم، هم وحدهم من بيدهم تحديد إلى أين ستسير المنطقة، فالخيار بالنسبة لهم سهل، إذا كانوا بالفعل يريدون تجنيب المنطقة ويلات الحرب وأيضاً تحالفات جديدة ستصيب الجميع، فعليهم أن يتداركوا أخطاءهم سريعاً ويعيدوا حساباتهم، وفى هذه الحالة سيكون العرب سعداء بأن تكون يدهم فى يد إيران بدلاً من وضعها فى يد عدو آخر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة