ساحة مسجد الحسين وما تكتظ به من وجوه ومقاهٍ حفرت مكانها فى هذا المكان لسنوات طويلة، أصوات الألحان من كل ناحية والأغانى القديمة والحديثة تلتقطها أذناك أثناء تجولك فيه، تدور عيناك فلا تندهش لأحد المشاهد بل تقف وتتفاعل مع العازفين على تلك المقاهى، ولكن فجأة تجد عيناك تلتقط مشهداً غريباً وتجبر قدماك على السير نحوه.
امرأة عجوز تحتضن العود وتطلق العنان لأصابعها فتداعب أوتاره وتخرج الألحان منه متغنية بإحدى الأغنيات القديمة فتطرب كل من حولها، تقترب منها وتشعر أنها بالتأكيد تحمل الكثير من الأسرار ولكن تنتظر حتى تنتهى من العزف وإطراب من حولها لعدم إفساد ذلك الجو الرائع على كل الجالسين بالمقهى.
"اسمى الحقيقى شاهيناز فاضل والشهرة الفنانة سهير" بتلك الكلمات تبدأ فى البحث خلف حقيقتها، ببتسامتها الصافية وتجاعيد وجهها التى تركت الزمن يفعل بها ما يريد بدأت الفنانة سهير تسرد لـ"اليوم السابع"، رحلتها التى استقرت بها على مقاهى الحسين.
فبالرغم من تفاصيل حياتها الحالية إلا أن المرأة الثمانينية تخرجت من كلية التربية الموسيقية بالزمالك ولازالت ملحنة بالإذاعة المصرية، بدأت رحلتها كملحنة بماسبيرو حتى أصبحت أول ملحنة امرأة بالوطن العربى بعد تقديمها العديد من الألحان الفريدة كما قدمت الأعمال الموسيقية الكاملة لفيلم "أبو خطوة".
"كان ليا اسمى.. وكنت بأمر وبنهى على كبار الفنانين فى استديوهات ماسبيرو" تتلقى تلك الكلمات الصادمة منها لتتحس مدى غدر الزمان على تلك المرأة، وتبدأ فى سرد بدايتها مع الغناء على المقاهى بأنها فى السنوات الأخيرة ضاق بها الحال ونصحتها إحدى صديقاتها بتجربة الغناء بالعود على المقاهى، "كان أمر غريب طبعاً بالنسبالى، بعد ما اتعامل مع كبار الملحنين وابقى ملحنة مرموقة.. انزل بالعود أغنى للناس على القهاوى ولكن مكانش قدامى حل تانى"، حيث أجبرتها الحياة على اصطحاب عودها وتلميع حنجرتها من غبار الزمن والانطلاق لكسب بعض الأموال من الغناء على المقاهى.
تتحدث بصوت تخللته نغمة الحسرة عما فاتها من سنوات العمر وكيف وصل بها الحال الآن، فقالت: قعدت مع الموسيقار محمد عبد الوهاب وقالى عشت وقعدت مع ملحنة بجد، ولكن سرعان ما تبدأ الابتسامة تحل ضيفاً على تقاسيم وجهها عندما بدأت التحدث عن ذكرياتها مع استديوهات الإذاعة بماسبيرو، حيث أشرفت على تسجيل الأغانى لكثير من عمالقة الغناء مثل الفنانة شادية وفايزة أحمد ونجاة الصغيرة والفنان شفيق جلال، ولكن بعد أن ضاق بها الحال منذ أكثر من 10 سنوات نزلت للشارع للغناء على مقاهى مصر.
"الشارع علمنى أشوف الناس على حقيقتها".. عبرت الفنانة سهير بتلك الكلمات عما غيرتها مهنتها الجديدة فى شخصيتها، حيث أصبحت تعرف الناس على حقيقتها وتقهم فى تصرفاتهم بشكل متعمق، أثناء تحدثها معك تهدى لأذنيك جملة من الممكن أن تسمعها لأول مرة "الوسط الفنى غدار والمنافقين والبخلاء هم بس اللى بيخرجوا منه كسبانين".
بالرغم من تبدل حالها إلا أنها تجد فى سعادة زبائن المقاهى لما تقدمه من أغنيات على العود بعض الرضا والتصبر على ما يقابلها من صعاب فى حياتها الحالية، تتركك وتستكمل رحلة بحثها عن "الزبون السميع" بين مقاعد المقاهى لتجلس وتطربه مستمدة من أوتار عودها ما يسند ظهرها ويعينها على ما وصلت إليه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة