رسالة ذات مغزى تلك التى بعث بها منتدى شباب العالم، سواء فى حفل الافتتاح أو فى الجلسات التالية، حينما فتح المجال أمام أشقائنا الأفارقة لتصدر المشهد، سواء باختيار راشيل سيباندى رائدة أعمال فى مجال التكنولوجيا بدولة مالاوى، لتكون أول المتحدثين فى الافتتاح، أو مشاركة أكثر من مسؤول أفريقيا فى جلسات النقاش، فضلاً عن الشباب الأفارقة ممن كان لهم حضور مميز لفت انتباه الآخرين.
رسالة جيدة تؤكد البعد الأفريقى لمصر، وتدعم أيضاً التوجهات السياسية المصرية منذ ثورة 30 يونيو 2013، حينما قررت القيادة السياسية فى مصر أن تولى اهتماماً خاصة بأشقائنا الأفارقة، فكانت أول زيارة خارجية للرئيس عبدالفتاح السيسى إلى غينيا الاستوائية لحضور القمة الأفريقية، وهو ما كان له شديد الأثر فى نفوس الأشقاء، ممن رأوا أن مصر تعود لهم ليس من واقع الأقوال وإنما بالأفعال، وليس فقط بالزيارات الرئاسية أو المسؤولين المصريين، وإنما بالمشاركة فى تلبية مطالب واحتياجات القارة خاصة تجاه قضايا التنمية، وكانت ولا تزال مصر خير معبر عنهم وعن مطالبهم فى المنتديات والفعاليات الدولية، سواء من خلال عضوية مصر فى مجلس الأمن أو فى المشاركات الرئاسية فى العديد من المؤتمرات الدولية التى شاركت بها مصر، وتحدثت خلالها باسم القارة السمراء، فكانت القاهرة ولا تزال الصوت الأفريقى القوى.
لماذا تنحاز مصر لأفريقيا؟ لعدة أسباب، أهمها التاريخ والمصير المشترك، فضلاً عما تمتلكه القارة من إمكانيات للأسف مهدرة، وتحتاج إلى من يساعدها، وربما يكون من المفيد هنا أن أقتبس بعضا من الكلمات التى جاءت على لسان الأفارقة المشاركين فى منتدى شباب العالم بشرم الشيخ، وأبدأ ببنت مالاوى، راشيل سيباندى، التى أبهرت الحضور بتجربتها، حينما أنشأت قبل خمس سنوات أول موقع تكنولوجيا لمالاوى، للعاملين الجدد فى مجال الابتكار والتكنولوجيا، ومن خلاله تم تدريب أكثر من 80 ألف طفل وشاب وفتاة، والموقع يضم الابتكار والاختراعات للشباب الجدد ورواد الأعمال، وأيضاً حينما أكدت فخرها بانتمائها لأفريقيا بقولها: إنها أتت من الأرض التى جاءت فى الصفحة الأولى فى كتاب التاريخ، أتت من الأرض الطيبة التى تسعى من أجل السلام والحب، مردفة: «إننى أنتمى إلى أفريقيا».
وأيضا رئيس الجابون على بونجو أونديمبا، الذى أكد امتلاك أفريقيا الكثير من الثروات والمواد الأولية، قائلاً «نريد أن تنعم قارتنا بالسلام المستدام والتحول الصناعى»، متحدثاً أيضاً عن أهمية التعليم وضرورة الاستثمار فيه، خاصة فى المدارس الابتدائية، مع استخدام التكنولوجيا الحديثة فى القارة السمراء، فضلاً عن أهمية أن تعمل الحكومات مع القطاع الخاص حتى يتماشى التعليم الذى يتلقاه الشباب مع الوظائف المقدمة.
وكذلك فيسينت تومى، رئيس وزراء غينيا الاستوائية، الذى جاء للمنتدى حاملاً معه رسالة من شباب أفريقيا للحضور، مفادها أنه «عليكم تحديد مستقبلكم بالمشاركة فى مجتمعاتكم»، متحدثاً أيضاً عن تجربة بلاده فى استثمار الشباب، خاصة أن لديهم نظاما تعليميا يركز على تحقيق التنمية، وأن التنمية لن تتحقق بدون التعليم والإنتاج، مع الإشارة أيضاً إلى أن رؤساء أفريقيا طالبوا بوضع خارطة طريق للاسثمار، للتركيز على الشباب فى القارة الأفريقية، وأن غينيا الاستوائية ملتزمة بتنفيذ هذه الخارطة على مبادئ الاتحاد الأفريقى، على أن يكون تسخير العائد الديموجرافى من الشباب التى تبلغ أعمارهم من 15 إلى 34 عاما، لمواجهة الفساد وتنفيذ سيادة القانون.
هذه عينة بسيطة مما قيل من أشقائنا فى المنتدى، تنوعت ما بين الفخر بالانتماء لهذه القارة المليئة بالقدرات والقوة الكامنة، وأيضاً القدرة على طرح الحلول دون انتظار لمن يحدد لهم الطريق من الخارج، هذه هى أفريقيا التى أراد المنتدى أن تكون حاضرة أمام شباب أكثر من 100 دولة، يمثلون ظل القطاعات الجغرافية فى العالم، فالسائد عن القارة السمراء فى العالم أنها طاردة لأبنائها نتيجة الفقر والنزاعات المسلحة، وأيضاً لأسباب تعود فى مجملها إلى المحتل الأجنبى الذى أراد القضاء على كل فرصة يمكن أن يعبر من خلالها المواطن الأفريقى عن نفسه ويعبر عن بلده ويحقق لها التنمية المنشودة.
هذه الفكرة السلبية عن القارة أراد منتدى شباب العالم أن يثبت أنها خاطئة، لأن القارة مليئة بالإمكانيات البشرية والاقتصادية، لكنها فى حاجة لمن يمنح شباباها الثقة لكى ينطلقوا، وهنا يجب الإشارة أيضاً لما قاله الرئيس السيسى فى رده على أحد الشباب المشاركين وتحديداً من دولة نيجيريا، الذى تحدث عن القارة وعن العمق الأفريقى لمصر، فرد عليه الرئيس بقوله: إن أفريقيا بحاجة لإنشاء شبكة طرق ونقل ومواصلات تربط بين دول القارة الأفريقية، وحال حدوث ذلك فإن واقع حياة القارة سيتغير للأفضل بشكل كبير خلال سنوات معدودة.
ما قاله الرئيس هو بعينه الرسالة التى يجب أن تصل إلى كل دول العالم، وهى أن أفريقيا ليست فقيرة، وإنما غنيه بشبابها وإمكانياتها، لكنها تحتاج فقط لمن يقرر وينفذ، وفوق ذلك من يعترف بأن أفريقيا قادرة على أن تحكم نفسها، وأن تدير نفسها، وأن عهد المحتل أصبح فى الماضى، إذا حدث ذلك لا خلاف على أن أفريقيا ستكون الأفضل عالميا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة