"الحفاظ على القمة أصعب من الوصول لها"، تلك هى القاعدة الأساسية التى يجب أن يضعها كل شخص يسعى وراء النجاح، نصب عينيه، حتى لا ينحرف عن مساره لتحقيق مزيد من المكاسب والتقدم فى مجاله، ولكن يبدو أن الرئيس الفرنسى الشاب، إيمانويل ماكرون، لم يعمل بتلك القاعدة، لما شهدته شعبيته فى الشارع الفرنسى من تهاوى سريع فى غضون 5 أشهر فقط من رئاسته للجمهورية الفرنسية.
استطلاع: 37% من الفرنسيين يشعرون بالإحباط من أداء ماكرون
ومرحلة السقوط من القمة للرئيس ماكرون، لم تأت بشكل مفاجئ، بل كان لها مقدمات ومحطات فقد خلالها ثقة الفرنسيين، كما أثار غضبهم واستهجانهم فى بعض الأحيان، وفيما يخص شعبية الرئيس الفرنسى، لدى شعبه، فإن أحد استطلاعات الرأى التى أجرتها مؤسسة إيفوب، لصالح صحيفة "لو جورنال دو ديمانش"، شهر أغسطس الماضى، أوضح أن معدل عدم الرضا عن "ماكرون"، وصل إلى نسبة 57%، وهو أسوأ بواقع 14 نقطة مئوية من الاستطلاع الذى أجرى فى يوليو الماضى.
وفى السياق ذاته، أظهر أخر تلك الاستطلاعات، التى أجراها معهد ايلاب للدراسات، شهر نوفمبر الجارى، أن 37% من الفرنسيين يشعرون بالإحباط من أداء الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، فى مقابل 12% مؤيدين له، بينما يرى أكثر من 50% أنه من السابق لأوانه تقييم أداء ماكرون.
الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون
جدل بعد إقرار قانون الإرهاب بديلًا لحالة الطوارئ
وعلى المستوى الأمنى، بعدما أعلن الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، فى مطلع شهر نوفمبر الحالى، إلغاء حالة الطوارئ فى البلاد، والتى تم فرضها بعد سلسلة الهجمات الإرهابية فى باريس، عام 2015، وقع قانونًا حول توسيع آليات مكافحة الإرهاب، وهو القانون الذى يعطى الشرطة مزيدا من الصلاحيات لمواجهة التطرف.
ورغم أن القانون جيد لمواجهة التطرف والإرهاب الذى تعانى منه المدن الفرنسية، إلا أنه أثار حالة من الجدل فى المجتمع الفرنسى، لوجود تخوفات من سوء استخدام الصلاحيات الممنوحة للشرطة بموجبه، حيث يعتبر معارضوه أنه يتعرض للحق فى الخصوصية ولمبدأ افتراض البراءة، وكان رأى نائب اليسار المتطرف، ألكسيس كوربيير، فى هذا الشأن، أن مشروع القانون يعيد النظر فى الحريات العامة، معتبهر "ديكتاتورية مقنعة".
الشرطة الفرنسية فى مواجهة المظاهرات بباريس
صدمة الفرنسيين من انفاق 26 ألف يورو على "ماكياج ماكرون" خلال 3 أشهر
وكانت أحدى محطات بداية الغضب تجاه رئيس فرنسا، عندما ثارت ثورة الشارع الفرنسى، خاصة من مؤيدى "ماكرون"، عندما كشفت مجلة فرنسية محلية، خلال شهر أغسطس الماضى، أن الرئيس الفرنسى الجديد، إيمانويل ماكرون، أنفق مبلغا كبيرا على أعمال الماكياج الخاصة به خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة فى قصر الإليزيه.
وقالت المجلة، "إيمانويل ماكرون، أنفق حوالى 26 ألف يورو على التجميل خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وكشفنا حسابين مختلفين الأول برصيد 10 آلاف يورو، والثانى برصيد 16 ألف يورو"، موضحه أن الشخص الذى عينه "ماكرون" للاهتمام بتجميله، وهى سيدة تدعى "ناتاشا"، تم التعاقد معها خلال حملة ماكرون الانتخابية، وكسبت ثقته وبقيت فى خدمته حتى نهاية ولايته الرئاسية.
وصدمة الفرنسيين كان سببها مطالبة الرئيس ماكرون، لشعبه بالتقشف، إضافة إلى فرضه قرارات تقشفية مثل الاقطاع من البلديات الصغيرة، وتخفيض المساعدات الاجتماعية ورفع قيمة السكن.
ماكرون خلال أحدى اللقاءات
الرئيس الفرنسى يهاجم الصحفيين
لم يكتف "ماكرون"، بالتناقض مع مطالبه من الشعب، بل انصرف للوقوع فى فخ سلسلة من التصريحات اللاذعة والهجوم الذى طال إعلاميين، والشعب، ومسئولين فى الدولة، وكان لمراسل قناة "فرانس 2"، نصيبًا من تلك الهجمات، حيث رد "ماكرون"، على سؤاله حول سبب أنه مقل فى حديثه للإعلام، فجاء رد "سيد الإليزيه"، "الصحفيون يبالغون بالاعتداد بأنفسهم ولا يولون اهتماما كافيا بالبلد، كما أنهم ليسوا محور اهتمامى، أنا أولى اهتمامى للفرنسيين، هذا ما يجب فهمه"
وأضاف ماكرون، إن "الأولى بالصحفيين الاهتمام بـ 12 مليون طفل عادوا إلى المدرسة بدلًا من طرح أسئلة عليه حول تواصلى مع الإعلام، لكن الصحفيين لديهم مشكلة، إنهم شديدو الاعتداد بأنفسهم ولا يولون اهتماما كافياً بالبلد، حدثونى عن الفرنسيين".
تصريحات ماكرون حول جهل الفرنسيين بأهمية الإصلاحات تثير الجدل
ورغم تأكيده على اهتمامه بالفرنسيين أكثر من الظهور الإعلامى، إلا أن وجه تصريحات لاذعة للشعب ذاته، الذى أكد فى وقت سابق أنه محور اهتمامه، ففى نهاية أغسطس الماضى، وعلى هامش زيارته إلى رومانيا، قال الرئيس إيمانويل ماكرون، إنه من الضرورى توضيح أهمية الإصلاحات للشعب الفرنسى لأنه لا يحبها، وأضاف ماكرون، فى تصريح أثار الجدل فى الشارع والصحافة الفرنسية، أن "الشعب الفرنسى لا يحب الإصلاحات ويجب أن تشرح له أهمية هذه الإصلاحات".
غضب كبير وسط الفرنسيين بعد وصف ماكرون للعاطلين بمثيرى الفوضى
وفى مناسبة أخرى، خلال شهر أكتوبر الماضى، استعان "ماكرون"، بعبارة شعبية نافرة، لدعوة البعض إلى البحث عن عمل بدلًا من التسبب بالفوضى، مما أثار ردود فعل غاضبة لدى بعض شرائح الطبقة السياسية، باعتبارها تدل على شعور بـ"الاحتقار" حيال الطبقات المهمشة الضعيفة، إضافة إلى ربط بعض المحللين كلمة الـ"فوضى"، التى وصف بها ماكرون العاطلين، بـ"الدعارة والفسق".
وخلال رحلته إلى منطقة كوريز، فى وسط فرنسا، تحدث ماكرون، مع مسئول محلى، كان يشير إلى صعوبات فى التوظيف فى إحدى الشركات، ورد ماكرون، "من الأفضل للبعض بدل إثارة الفوضى أن يروا ما إذا كان بإمكانهم الحصول على وظائف هناك".
مظاهرات ضد ماكرون فى باريس
ماكرون يصطدم مع رئيس الأركان المستقيل بسبب ميزانية الدفاع
وعلى المستوى الرسمى فى الدولة، لم ينج من هجمات "ماكرون" الإعلامية، رئيس الأركان السابق، الجنرال بيير دو فيلييه، الذى شدد على رفضه لقرار الرئيس الفرنسى، خفض الإنفاق الدفاع فى ميزانية العام الجارى، فبداية، قال "لن يكون أمام رئيس الأركان سوى الموافقة على ما يقول"، وتطور الأمر ليرفع "ماكرون" – الذى يشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة بوصفه رئيسا للبلاد - من حده نبرته، ويقول "إذا وقع خلاف بين رئيس أركان الجيش والرئيس، يذهب رئيس الأركان".
وشدد ماكرون، على أنه لن يتهاون مع المعارضة العلنية من قبل الجيش بعد أن تردد أن الجنرال بيير دو فيلييه، أبلغ لجنة برلمانية، بأنه لن يسمح للحكومة بأن تعبث معه فيما يتعلق بخفض الإنفاق.
وعلى الرغم من رفض ماكرون الشديد لمعارضة قراره، إلا أنه عاد وصرح بأنه يعتزم رفع ميزانية وزارة الدفاع تدريجيًا، بعد تعيين رئيس أركان جديد، بدلًا من رئيس الأركان، بيير دوفيليه، الذى قدم استقالته.
ماكرون يفشل فى حل أزمة قانون العمل
ولم يكن هذا هو الإخفاق الوحيد فى إدارة "ماكرون"، للأزمات، حيث شهدت شوارع باريس احتجاجات كبيرة من قبل العمال، وصلت إلى اضرابات فى أوساط مختلفة، اعتراضًا على تعديلات الحكومة على قانون العمل الفرنسى عبر اللجوء إلى مراسيم حكومية دون الرجوع إلى نقاش برلمانى أو حوار مع مختلف الطوائف المجتمعية.
وإلى جانب فشله فى برنامج الإصلاح العملى، كان هناك أمور أخرى مثل خفض الموازنة والاتفاقات، وتأجيل إلغاء الضريبة على السكن، التى وعد بها فى شهر يوليو الماضى، إضافة إلى إقراره منصب لزوجته، بريجيت ماكرون، ما أثار حفيظة قسم كبير من الرأى العام، الأمر الذى اضطره إلى الرجوع فى القرار بعد صدوره، خاصة بعد منعه مؤخرا لعدد من الوزراء والبرلمانيين من الاستعانة بخدمات أفراد من عائلاتهم.
مظاهرات ضد تعديل قانون العمل الفرنسى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة