يوسف أيوب

العرب قدموا القدس هدية لإسرائيل

الإثنين، 11 ديسمبر 2017 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جلد الذات ليس مطلوباً الآن، لكن المنطق يقول إن ما حدث مؤخراً والمتعلق باعتراف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، والموافقة على نقل سفارة بلاده من تل أبيب للقدس، له أسباب متعددة، والكثير منها متعلق بنا نحن كعرب، فبسبب ضعفنا وتركيزنا على توافه الأمور، وتصعيد خلافاتنا الداخلية على حساب القضايا المركزية، منحنا الآخرين الفرصة للانقضاض علنيا، واستغلال الفرص التى حانت لهم لتنفيذ ما خططوا له لسنوات طويلة، فالوقت الآن فى صالح إسرائيل وأمريكا أكثر مما مضى.
 
العرب عملوا خلال السنوات الماضية على تقديم الهدية تلو الأخرى لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، بدأت من الداخل الفلسطينى حينما أصر الأشقاء هناك على مواصلة مسرحية الانقسام، وسيطرت حركة فتح على الضفة الغربية، وحماس على قطاع غزة، وبدلاً من أن يقاتلا المحتل، تفرغا لقتال بعضهما البعض، ومعركة التخوين التى طالت الجميع دون استثناء، ولم يستوعب الفلسطينيون دروس الماضى، ولم يستمعوا لنداءات العقل والمنطق التى كانت تقول لهم أن استمرار الانقسام والتشرذم داخل الساحة الفلسطينية وعدم إتمام المصالحة سينتهى إلى ضياع القضية الفلسطينية بشكل عام، وأن الحل فى وحدة الصف الفلسطينى، لأن المقاومة ضد إسرائيل تحتاج أولا لوحدة الصف الفلسطينى وإتمام عملية المصالحة، لكن للأسف لم يستمع الفلسطينيون لصوت المنطق، وذهبوا إلى صوت المال والتحريض فى الدوحة وطهران وأنقرة الذين تفننوا فى إفشال حوارات المصالحة التى تجريها القاهرة بين الفلسطينيين.
 
المال السياسى الحرام ساهم فى تعميق الانقسام الفلسطينى، الذى لم يقتصر على ما بين الفصيلين فقط، لكنه وصلت إلى داخل كل حركة، فرأينا جبهات تتصارع داخل حماس وفتح أيضاً، وهو ما جعل فلسطين فى ذيل قائمة الأهتمامات، وتصدر المشهد الخلاف الداخلى بين الفلسطينيين على أمل أن يعود الوئام بينهم، حتى يتفرغوا للقضية الأهم، وهى تحرير كامل الأراضى الفلسطينية، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
 
من الداخل الفلسطينى انطلقنا إلى الخارج، حيث الانقسام العربى وتآمر بعض الدول العربية على بعضها البعض، الذى جاء استكمالا لسيناريو ما سمى بالربيع العربى، الذى نتج عنه تفتيت الدول العربية وإنهاكها فى حروب أهلية ونزاعات وقتل وتشريد وتدمير، مثلما حدث فى سوريا والعراق وليبيا واليمن، ومن قبله السودان التى انفصل عنها الجنوب فى دولة مستقلة، وبقيت الخرطوم تائهة لا تعرف إلى أين تذهب، فيما أصبحت قطر دولة تدمن طعن العرب فى ظهورهم ليتحولوا إلى جثث هامدة أمام إسرائيل، وفق لعبة وافقت قطر على أن تكون رأس الحرب الإسرائيلية فيها لضرب الدول العربية، وخاصة الدول الكبرى، حدث ذلك فى العراق وسوريا واليمن وليبيا، لكنها فشلت فى مصر، وحاولت حتى ضرب أشقائها فى الخليج العربى، لكنهم أدركوا مبكراً المخطط القطرى الخبيث، وقطعوا العلاقات معها، على أمل أن تفيق من غفلتها وتعود مرة أخرى للحضن العربى، لكنها لا تزال على ضلالها.
 
لكل ذلك وغيره أصدر ترامب قراره معترفاً بالقدس عاصمة لإسرائيل، لأنه لن يجد وقتاً أنسب من الوقت الحالى لينقض على العرب جميعاً، فالانقسامات والتآمر هو السائد بينهم، ولا يملكون إلا الشجب فقط، وأكثر من ذلك لا يتركون الفرصة لمن لديهم القدرة والرؤية أيضاً لكى يتحرك مدافعاً عن فلسطين بل يضعون أمامه العراقيل، وإن استطاع التغلب عليها يواجهونه بحملة شرسة من الشائعات الكاذبة، وما تعرضت له مصر طيلة السنوات الماضية من هجمات عربية وإقليمية متتالية بسبب القضية الفلسطينية خير دليل على ما أقوله، فالتاريخ والحاضر والمستقبل أيضاً يؤكد أن القضية الفلسطينية هى القضية الأولى والوحيدة للدولة المصرية، وأن مصر خاضت أولى حروبها فى العصر الحديث عام 1948 وضحت بشهدائها من أجل الحفاظ على وحدة الدولة الفلسطينية، كما أنها قامت ولا تزال تقوم بدور كبير لتحقيق المصالحة الفلسطينية الحقيقية، رغم تأمر دول عربية وإقليمية على الفلسطينيين ليظلوا على انقسامهم الذى يخدم المصالح الإسرائيلية، كما أن القيادة المصرية تضع فلسطين فى أولوية سياساتها وتحركاتها الخارجية، وبالتنسيق التام والكامل مع الأشقاء الفلسطينيين.
 
الأكيد للجميع وخاصة للأشقاء الفلسطينيين أن مصر حينما تتحرك لمساندة فلسطين فى وجه مخططات التهويد وإشعال الفتن فإن ما يهمها فى المقام الأول صالح فلسطين، وليس بحثاً عن الظهور الإعلامى، لذلك تقوم مصر بدورها فى هدوء، لأنها تتحرك وفق منطق ومنهجية تعتمد على مواجهة المزاعم الإسرائيلية بالقانون، وليس بالصوت العالى الذى لن يجدى نفعاً، خاصة إذا لم يقترن بالأدلة والبراهين مثل تلك التى تتحدث عنها مصر فى كل تحركاتها.
 
قد لا يعجب البعض بإن يكون لمصر دور فى التوصل لمصالحة بين الفلسطينيين، وأن تطرح مبادرة للحل النهائى للقضية الفلسطينية، وأن تفتح الباب لمشاركة الفصائل فى حوارات المستقبل، لكن ذلك لن يثنى مصر عن القيام بدورها، مهما حاول الحنجوريون الذين أوصلوا المنطقة لما هى عليه الآن من تفتت وتشرذم.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة