عندما نجد أن هناك نقصا فى حقن البنسلين، نحن أمام أزمة من نوع جديد فى الدواء، كاشفة عن حجم الارتباك فى صناعة مهمة واستراتيجية. تتعلق بالمريض المصرى وأيضا بصناعة مهمة لدينا فيها خبرات متراكمة تتجاوز السبعين عاما. والبنسلين كما هو معروف أقدم المضادات الحيوية، وكانت خاماته تصنع محليا حتى وقت قريب. وبالتالى فهو ليس دواءً حديثا يحتاج تصنيعه إلى إذن سداد مقابل الملكية الفكرية.
لقد كانت الشركات التابعة لقطاع الأعمال ومعها الشركات الخاصة توفر حتى التسعينيات ما بين 70 - %80 من حاجة السوق للدواء، لكن هذه النسبة تراجعت منذ التسعينيات مع التوقيع على اتفاقية التجارة العالمية وحصلت مصر على مهلة حتى 2005 قبل تطبيق الاتفاقية.
كتبنا منذ بداية التسعينيات عن أهمية تطوير صناعة الدواء قبل تطبيق اتفاقيات التجارة والتريبس، ونشرت دراسة موسعة عن الدواء فى ظل اتفاقية التجارة، نبهت فيها لأهمية استغلال المهلة لتطوير صناعات الدواء حتى يمكن مواجهة التأثيرات الضارة للاتفاقية. لكن رياح الخصخصة والبيروقراطية فى شركات الدواء العامة أدت إلى تردى أحوالها لتصل إلى أوضاع أقرب للفشل.
صناعة الدواء فى مصر مثقلة بالعمالة الزائدة وتلتهم الأجور الموازنات الضخمة. ولا يتبقى للبحث والتطوير ما يكفى. والنتيجة أن صناعة الدواء تتراجع بشكل كبير وحتى مع رفع أسعار الأصناف الرخيصة من الأدوية المحلية عشرات المرات لم يجد هذا فى انتشال هذه الصناعة من الغرق ليصل الأمر أن نجد أزمة فى البنسلين فمال بالنا بباقى الأصناف الدوائية المهمة.
وقد أشرنا مرات إلى تجربة نجحت فيها الدولة فى توفير عقار السوفالدى لعلاج الفيروس الكبدى بسعر يقل عشرات المرات عن سعره فى دول أوروبية وعربية، وحققت نجاحا بشهادة منظمة الصحة العالمية لعلاج ملايين من فيروس كانت هزيمته تبدو مستحيلة وإذا كنا نجحنا فى توفير السوفالدى كيف نفشل فى توفير البنسلين، ومعه أصناف أخرى هناك إمكانية لتصنيعها محليا.
هناك أطراف متعددة تتداخل وتتقاطع مع ملف الدواء، ليس فقط جهات الإنتاج أو التسويق أو الاستيراد. لكنها صناعة عالمية لها قواعدها، وألاعيبها. ومعروف أن صناعة الدواء هى أهم صناعة تضاهى صناعة السلاح. وتتعلق بالأمن القومى وأسرارها تتساوى مع الأسرار العسكرية.
نحن مقدمون على قانون التأمين الصحى وهو أمر يتطلب حسابات معقدة لتوفير دواء بكفاءة عالية وجودة وسعر مناسب. هناك دول لديها خبرات فى إدارة ملفات الدواء. ويبدو مؤسفا القول إن مصر من الدول التى لديها خبرة معقولة فى صناعة الدواء، ولا يفترض أن تظهر أزمة فى حقن البنسلين أو فى أصناف شائعة تتوفر خاماتها وهناك إمكانية لإدارتها.
ملف الدواء والصحة، يدخل ضمن الأمن القومى، ولا يفترض أن تنتظر وزارة الصحة والجهات المعنية بالصيدلة أن تتفجر أزمات جديدة لتبدأ التحرك. ولا يفترض المسؤولون أن يفتح الرئيس هذا الملف المهم وعليهم أن يتحركوا حتى ولو من خلال عقد مؤتمر يجمع أطراف صناعة وتجارة وتسويق الدواء والنقابات المعنية لبحث المشكلة ووضع تصورات لحلها قبل أن تتفاقم. أزمة البنسلين تكشف عن أمراض صناعة الدواء، ويبدو أنها بحاجة إلى حقنة فى العضل أو الوريد لإنقاذها من احتضار محتمل.
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
حفنة بنسيلين يا هوو ....
تخطيط فاشل واداره عاجزه وغيبوبه عارمه ....