أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى وسياسيات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية وتأثير علاقتها الحميمية مع إسرائيل التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، حيث نواصل نشر البحث الذى وضعه رأفت حمدونه, المختص فى الشؤون الإسرائيلية، حمل عنوان «المعونات الأمريكية لإسرائيل الأسباب والتجليات»، وفيه كشفت الوثيقة ووفق التحالف قامت الولايات المتحدة بدعم إسرائيل فى عدة اتجاهات، حيث شهدت إدارة الرئيس «جون كيندى» «61-1963» عقد أول صفقة سلاح أمريكى مع «إسرائيل» بقيمة «22» مليون دولار، وكان ذلك فى عام 1962. وقد ظلت المعونة العسكرية الأمريكية لإسرائيل متواضعة حتى مجىء «جونسون» إلى سدة الرئاسة حين بدأت فى التصاعد بشكل سريع. ومنذ العام 1986 تحصل «إسرائيل» على معونة عسكرية أمريكية رسمية «معلنة» تقدر بنحو «1,8» مليار دولار سنوياً «وهذا الرقم يعادل نحو %36.2 من مجمل ميزانية برنامج المعونات العسكرية الأمريكية فى المتوسط»، وقد درجت الإدارات الأمريكية المختلفة على «مكافأة» «إسرائيل» فى أعقاب كل عدوان تقوم به على العرب، فبعد حرب 1967 ارتفعت المعونة العسكرية بنسب عالية 7 ملايين دولار عام 1967، ثم 25 مليون دولار عام 1968، ثم 85 حصولها على «307.5» مليون دولار قبل الحرب. وفى أعقاب غزو لبنان قفزت المعونة العسكرية السنوية إلى «1.4» مليار دولار، ثم إلى «1.7» مليار دولار. وفى أواخر العام 1985 وفى أعقاب عدوان «إسرائيل» على مقر منطقة التحرير الفلسطينية، أقر الكونغرس معونة إضافية مقدارها «1.4» مليار دولار. وبعيد عدوان «إسرائيل» على لبنان فى إبريل 1996 عززت إدارة «كلنتون» دعمها العسكرى، إلى «إسرائيل» بأشكال مختلفة. وفى الإجمال، يقدر إجمالى المعونات العسكرية الأمريكية المعلنة لإسرائيل منذ قيامها وحتى العام 1996 بنحو «42 مليار دولار»، علماً بأن هذه المعونات صارت، منذ العام 1984 وإبان عهد ريغان، على شكل منح لا ترد، كما أن فوائد الديون العسكرية السابقة على ذلك التاريخ خفضت بقرار إدارى من «ريجان» فى ديسمبر 1986.
التعاون الاستراتيجى بين الولايات المتحدة و«إسرائيل»: ولد هذا التعاون- إبان فترة حكم ريغان «82-1988»، بعدما أدركت الولايات المتحدة صعوبة تنفيذ الصيغة الأمريكية لحلف دفاعى استرتيجى تشارك فيه جميع الدول الصديقة فى المنطقة. لقد رأت الإدارة الأمريكية أن أضمن وأسرع الطرق إلى حماية مصالحها فى المنطقة هو الطريق الإسرائيلى. وقد عزز هذا التوجه انتعاش الحرب الباردة بين القطبين الأمريكى والسوفيتى- مع مجئ ريغان للحكم- وبروز دور«إسرائيل» العسكرى والأمنى خاصة بعد خروج مصر من حلبة الصراع
بينما كانت كل الإدارات الأمريكية المتتابعة تبدى استعدادها للتجاوب مع الطلبات الإسرائيلية قامت إدارة ريغان بتجاوز حدود المعقول فى دعمها لإسرائيل، إذا على الرغم من حصول لإسرائيل على كل ما طلبته من معونات اقتصادية وعسكرية وتقانية قامت الحكومة الأمريكية عام 1981 بتوقيع «اتفاقية التفاهم الإستراتيجى» بين الطرفين، وبناء على تلك الاتفاقية التزم الطرفان بتوثيق مجالات التعاون، بخاصة فى المجال العسكرى، الأمر الذى قاد إلى تبلور تحالف استراتيجى استخدمه إسرائيل فى الحصول على المزيد من المعونات العسكرية والدعم السياسى، وقد كان من نتائج ذلك الاتفاق تشجيع إسرائيل على السير فى طريق العدوان والتوسع على حساب البلدان العربية المجاورة، إذ بعد أسابيع قليلة من توقيع ذلك الاتفاق أعلنت إسرائيل ضم الجولان التى كانت قد احتلتها عام 1967. وفى منتصف عام 1982 قامت القوات العسكرية الإسرائيلية بغزو لبنان وقد ظهر هذا بعد توقيع وزيرى الدفاع فى البلدين «كايسبر واينبجر» و«آريل شارون» فى واشنطن على «مذكرة التفاهم الاستراتيجى» فى 30 نوفمبر 1981، ثم على اتفاقية التعاون الاستراتيجى فى 29 نوفبر 1983.
وبموجب هاتين الاتفاقيتين انتقلت «إسرائيل» من موقع «التبعية» للولايات المتحدة إلى «موقع الشراكة»، وذلك من خلال تأكيد البلدين على أن التعاون بين البلدين «تعاون متبادل»، وكان مما تم الاتفاق عليه فى هذا المجال: تبادل المساعدات العسكرية، إجراء مناورات عسكرية مشتركة، التعاون فى مجال البحث والتطوير فى مجال الصناعات العسكرية، تشكيل مجلس للتنسيق من وزيرى الدفاع فى البلدين. وفى العام 1986 سمحت الولايات المتحدة لإسرائيل بالمشاركة فى أبحاث برنامج حرب الكواكب ضمن مجموعة دول الحلفاء، وفى العام التالى اعتبرت إدارة «ريجان «إسرائيل» حليفاً رئيسياً غير منتم لحلف الناتو»، وفى أعقاب عدوان «إسرائيل» على لبنان، فى إبريل 1996، وقعت الولايات المتحدة و«إسرائيل» اتفاقا جديداً لتعزيز التعاون الاستراتيجى بينهما، وأخيراً التعاون الأمنى والاستخباراتى، وبعد وصول «نتنياهو» إلى سدة الحكم «يونيو 1996» «يتبع».