(1)
يتوهج العقل، وينبض القلب، وتبتهج الروح وأنت تخطو بقدميك فى المدينة المقدسة، كنت للتو خرجت من عباءة المقاتل إلى عباءة رجل السلام، وانتقلت من حمل السلاح إلى حمل غصن الزيتون، وفى بيت الشرق التقيت الراحل الكريم فيصل الحسينى، ودعاة السلام المقدسيين، سارى نسيبة، وحنان عشراوى، والإسرائيلى الذى سجن من أجل دفاعه عن الثورة الفلسطينية ميكادو، والمحامية الإسرائيلية فيليتسيا لا نغر، التى ناضلت من أجل سلام عادل فى الشرق الأوسط، ونالت لا نغر فى 18 يناير 1991 جائزة برونو كرايسكى للدفاع عن حقوق الإنسان.
وسبق أن أصدرت الكتب التالية: «بأم عينى» 1974، «هؤلاء إخوانى» 1979، «من مفكرتى» 1980، «القصة التى كتبها الشعب» 1981، «عصر حجرى» 1987.. كنت أبلع لعابى بدموعى، ولا أكاد أصدق أننى أغمس فى طبق واحد لقمة مغموسة بالسلام، كنا للتو خارجين من أوسلو إلى القدس لتطبيق الاتفاق، كانت حنان عشراوى مرشحة على مقعد مجلس النواب الفلسطينى عن القدس، وكان اليمين الصهيونى يقاتل ضدها، واليسار الإسرائيلى يقاتل معها، وأنا لا أصدق أن من حاربتهم فى بيروت 1982، أرى منهم من يدافع عن السلام العادل.
«توصل إسحق رابين مع عرفات إلى اتفاق أوسلو 13 سبتمبر 1993، ووقعا الاتفاق بالبيت الابيض بحضور بيل كلينتون، وفى العام التالى لتوقيع الاتفاق حصل رابين وبيريز وعرفات معًا على جائزة نوبل للسلام، ووقع أيضًا مع المملكة الأردنية الهاشمية اتفاق وادى عربة للسلام 1994، ولكن أحزاب اليمين الصهيونى لم ترضَ بذلك واغتالته 1995».
من يومها أصدق أن إسرائيل لا تخشى إلا السلام!
(2)
الآن ترامب يجدد رقصة الدم والدموع، فى غابة المزايدات التى اجتاحت جميع العقول، أكرر جميع العقول، يهودًا ومسلمين ومسيحيين، الجميع يعود إلى التوراة والإنجيل والقرآن لإثبات جزء من حقيقة ملطخة بالدم.
كنت فى بيروت المحاصرة أعض على جرح الكلاشنكوف، وأتساءل إلى متى تقتل الضحية اليهودية الضحية الفلسطينية، ومحمود درويش يبكى قائلًا:
«ضحيَّةٌ
قَتَلتْ
ضحيَّتها
وكانت لى هويَّتُها
أنادى أشعيا: أخرج من الكتب القديمة مثلما خرجوا، أزقّةُ
أورشليم تُعَلِّقُ اللحمَ الفلسطينىَّ فوق مطالع العهد القديم
وتدَّعى أن الضحيةَ لم تُغَيِّر جلدها
يا أشعيا.. لا تَرِثْ
بل أهجُ المدينةَ كى أحبكَ مَرّتين
وأعلنَ التقوى
وأغفر لليهودىِّ الصبىِّ بكاءه..
اختلطتْ شخوصُ المسرح الدموىّ:
لا قاض ٍ سوى القتلى
وكفُّ القاتل امتزجَتْ بأقوال الشهودِ
وأدخل القتلى إلى ملكوت قاتلهم
وتمَّتْ رشوةُ القاضى فأعطى وجهه للقاتل الباكى على شىء
يُحَيِّرُنا..
(3)
«أشعر أن كل الحوارات حول القدس تتم على أرضية دينية، وهذا يؤكد أن الصهيونية اخترقت عقول أبناء كل الديانات، ولم يعد الأمر استعادة القدس بل استعادة العقل».
نعم يهود وفلسطينيون من أولاد إبراهيم ضحايا الاضطهاد، تارة النازية الغربية تضع اليهود فى أفران الهولوكوست، ثم يلقى بلفور بعقدة الذنب وكرة اللهب إلى أرض فلسطين، أرض الميعاد، وتقتل الضحية اليهودية ضحيتها الفلسطينية، ويخرج الطرفان من الكتب المقدسة أسفار وآيات الدم، والعربان شهود، والأمم المتحدة قاض مرتشٍ، ولا أحد يفعل سوى استدعاء الله سبحانه وتعالى، مرة يهوديًا وأخرى مسيحيًا وثالثة إسلاميًا، ويتعمد ويتوضأ الضحايا بالدم للصلاة المقدسية فى محراب العربان وتجار السلاح والدين.
(4)
«يا الله
جرَّبناكَ جرَّبناكَ
من أعطاك هذا اللُغز؟ من سَمَّاكَ؟
من أعلاك فوق جراحنا ليراكَ؟
فاظهرْ مثل عنقاء الرماد من الدمارِ
(5)
دعونى أؤكد أننى مع وطن لليهودى التائه، وللفلسطينى الحائر، ولتكن القدس، مدينة الله، عاصمة مقدسة للجميع، اليهود والمسيحيين والمسلمين، وكفوا عن نخاستكم، ولا تضعوا مسدسًا فى أيدى الضحية اليهودية، وسكينًا فى يد الضحية الفلسطينية، ودعونا أن نعيش فى سلام، لأن مفتتح الوصايا: «لا تقتل»، كفى يا أبناء إبراهيم دماء، كلكم على حق، وكلكم قتلى وضحايا وقاتلين، القدس يهودية ومسيحية وإسلامية، وعلمانية، ولكل أبناء إبراهيم على مختلف دياناتهم وتوجهاتهم.. كفى عبثًا ومزايدات ودماء.