حتى الآن لا توجد تأكيدات واضحة حول إن كان نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس سيأتى للمنطقة أم جرى تأجيل أو بمعنى أدق إلغاء جولته التى كان مقرراً أن تبدأ خلال ساعات، فالمعلومات المتوفرة حتى الآن أن هناك تعديلاً فى الجدول ليبدأ بنس جولته بزيارة القاهرة الثلاثاء ثم يتوجه بعدها إلى تل أبيب بدون التوجه إلى الأراضى الفلسطينية المحتلة، بعدما ألغت السلطة الفلسطينية لقاءها مع بنس فى أعقاب إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اعترافه بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وهو القرار الذى أثار موجة غضب وتنديد دولية.
قبل أسبوعين كان بنس مرحباً به فى المنطقة، خاصة أن جولته ارتبطت بما تم نشره بشأن الخطة الأمريكية لبدء مفاوضات السلام، لكن بعد إعلان ترامب الأخير، تحول بنس إلى شخص غير مرغوب به فى الكثير من الأماكن والشخصيات التى كان من المفترض أن يلتقيهم، فالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وقداسة البابا تواضروس، أعلنا رفضهما استقبال نائب الرئيس الأمريكى.
ومن بعدهما أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبومازن رفضه لقاء بنس فى رام الله، محذرا من أن الولايات المتحدة لم يعد لديها دور لتلعبه فى عملية السلام، التى أعلن ترامب أنه سينخرط فيها بشكل قوى، عبر زوج ابنته، جاريد كوشنر، الذى قام خلال الشهور الأربعة الماضية بجولات ولقاءات مكثفة فى المنطقة من أجل بلورة ما أطلق عليه «صفقة القرن» لإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى، لكن كل هذه الجهود توقفت فى أعقاب إعلان ترامب الأخير الخاص بالقدس.
كما أعلن أمين مفتاح كنيسة القيامة فى القدس أديب جودة الحسينى آل غضية، رفضه القاطع استقبال بنس، خلال زيارته المرتقبة لمدينة القدس ونيته زيارة كنيسة القيامة، وقال إن عائلة جودة الحسينى هى عائلة مقدسية وأمناء مفاتيح كنيسة القيامة منذ 850 عاما منذ عهد الناصر صلاح الدين، مضيفا: «نقوم بواجبنا على أكمل وجه فى الماضى والحاضر وسنقوم به فى المستقبل أيضا».
وأعلن أنه بناء على التزامهم الدينى والأخلاقى الذى تحمله العائلة اتجاه الأماكن المقدسة فإنه لن يستقبل «بنس» للتعبير عن رفضهم القاطع والمطلق لقرارات ترامب تجاه المدينة المقدسة عاصمة دولة فلسطين، داعيا فى نفس الوقت غبطة بطريرك الروم الأرثوذوكس وحارس الأراضى المقدسة إلى مقاطعة زيارة نائب الرئيس الأمريكى لكنيسة القيامة.
كل هذا جعل الأمريكيين متشككين فى جدوى جولة بنس، لكن الرجل مصمم على الجولة حتى وأن اقتصرت على لقاءات بروتوكولية، فالمهم بالنسبة له أن يذهب لإسرائيل ويظهر أمامهم أنه من دفع ترامب لتنفيذ وعوده الانتخابية الداعمة لتل أبيب، ولذلك صمم أن يخاطب الإسرائيليين من على منبر الكنسيت، بعد أن يلتقى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو، ومعروف عن بنس توجهاته الداعمة لإسرائيل، وبالتالى متوقع لنا ماذا سيقول، مزيد من الدعم والوعود لإسرائيل، والأحاديث الوهمية عن فرص السلام التى يضيعها العرب والفلسطينيين، وربما يتحدث عما يدور فى فكر ترامب حالياً بشأن تشكيل تحالف دولى لمواجهة إيران، خاصة أن إسرائيل ستكون العنصر القوى فى هذا التحالف أذا تم تشكيله فعلياً.
الواقع يؤكد أن زيارة بنس للمنطقة لن تأتى بأى جديد خاصة فى ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، بعدما أعلن الفلسطينيون تشككهم فى واشنطن كوسيط نزيه، كما أن بنس لا يملك مفاتيح المفاوضات، الموجودة أساسا لدى كوشنر، الذى يواجه هو الآخر مآزق بعد إعلان دينا باول، مساعدة مستشار الأمن القومى الأمريكى، استقالتها وتركها للمنصب نهاية الشهر الجارى، ومعروف عن دينا أنها أحد اللاعبين الرئيسيين فى ملف المفاوضات، واستقالتها تعنى أن صفقة القرن تواجه مصيرا غامضا.
كل المؤشرات أيضاً تؤكد أن واشنطن بدأت تراجع حساباتها فى المنطقة، خاصة تلك المتعلقة بعملية السلام، وعلاقاتها مع الدول الرئيسية، خاصة بعدما تيقنت أن طرح فكرة التحالف الدولى لمواجهة إيران لن تكون الحافز القوى لدول المنطقة لكى تتغاضى عن القرار الكارثى المتعلق بالقدس، لأنه مهما كانت عداوة بعض دول المنطقة وتحديداً الخليج لإيران ونظامها وتدخلاتها المستمرة فى الشؤون الداخلية لدول المنطقة، فإن هذه الدول لا تملك القدرة على مقايضة القدس بإيران، بمعنى ترك القدس لإسرائيل مقابل أن تقف معهم الولايات المتحدة فى وجه إيران، لأن هذه المعادلة مكتوب عليها الفشل قبل أن تبدأ لعدة أسباب، وهو ما بدأت تفطن له جيداً واشنطن، وإن كانت لا تزال تحاول المناورة لعل وعسى تحقق جزءا مما تسعى له.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة