إذا استطاع مجلس النواب إخراج قانون التأمين الصحى الاجتماعى الشامل فإنه يقدم أفضل هدية للمصريين الذين عانوا طيلة السنوات الماضية من مآسٍ دون أن يلتفت لهم أحد، فالمصرى عانى من زيادة أسعار العلاج إذا وجده، لكن الآن وفى ظل المشروع الذى يناقشه البرلمان، فيمكن القول إننا أمام نقلة نوعية تستهدف توفير مظلة تأمينية طبية تضم جميع المصريين من خلال تقديم الرعاية العلاجية بشكل عادل من خلال 3 هيئات، الأولى متعلقة بشؤون التمويل، والثانية تعنى بتقديم الرعاية الصحية المباشرة أو عبر الجهات التى تتعاقد معها، أو من خلال شهادة الاعتماد، والهيئة الثالثة تعنى بالرقابة على جودة الخدمة، وفقاً لما جاء فى مشروع القانون.
قبل كل شىء يجب الإشارة إلى مجموعة من الحقائق والأرقام التى تؤكد للمواطن المصرى مدى الاهتمام الذى توليه الدولة المصرية له، ومنها أن التكلفة التقديرية لتطبيق مشروع قانون التأمين الصحى الاجتماعى الشامل ارتفعت بعد تعويم الجنيه لتتراوح حاليا ما بين 140 و160 مليار جنيه، وفائدة هذا القانون أنه يوفر التغطية التأمينية لجموع المصريين، آخذاً فى الأعتبار أن نظام التأمين الصحى الحالى يغطى 60% فقط من سكان مصر، ويوجد 40% من المصريين لا يتمتعون بالتغطية، وهؤلاء هم أكبر المستهدفين من القانون الجديد الذى يحاول تلافى كل الملاحظات التى قيلت من جانب المختصين، ومنها مراعاة قصر مدة تدرج تطبيق هذا القانون فى المستقبل بقـدر المسـتطاع مـع الحفاظ على تحقيق التوازن فى عدم تحمل الموازنة العامة للدولة أعباء جديدة، خاصة أن القانون الجديد حدد 9 مصادر لتمويل الهيئة العامة للتأمين الصحى الشامل، مثل حصة المؤمن عليهم، وحصة أصحاب الأعمال، والمساهمات، وعائد استثمار أموالها، وغيرها.
بالنظر لهذه الحقائق يمكن القول إن القانون الجديد حال إقراره يهدف إلى تنظيم جميع أعمال التأمين الصحى، فى إطار تكافلى وإلزامى، ويسعى لأن تكون وحدة التغطية التأمينية هى الأسرة وليس الفرد كما يحدث فى النظام الحالى، وهو ما يعنى أن جموع الشعب المصرى متساويون فى الحصول على الخدمة، وسيقوم الغنى بدوره المجتمعى لكفالة الفقير، ومن مزايا القانون الجديد أنه إلزامى، بمعنى أنه بمجرد تطبيقه سيلزم جميع المواطنين على الانضمام له، وكل أسرة لها عائل سيتم استخراج ملف لهذا العائل يحتوى جميع بيانات من يعولهم وسيتيح تلقى الخدمة من أى مكان وكل مكان.
لكن السؤال الآن، ما هو المطلوب بعد إقرار القانون، بالتأكيد، التركيز يجب أن ينصب على اتخاذ إجراءات جادة لتطوير المستشفيات والرعاية الصحية، وهنا يأتى دور الحكومة وتحديداً وزارة الصحة التى عليها الإسـراع فـى وتيـرة تطـوير وحـدات الرعايـة الصـحية الأوليـة والمستشـفيات الحكوميـة، مـن خلال استيفاء معايير الجودة لضمان قبولهم ضمن منظومة التأمين الصحى الجديد، وأهميـة الارتقـاء بالمسـتوى المـادى والتـدريبى للفريـق الطبـى، نظـرا لكونهم حجر الزاوية فى هذه المنظومة، يضاف إلى ذلك مطالب مشروعة بتحقيق الاكتفاء الذاتى من الدواء، وهنا يجب على القائمين على المشروع بحث هل نحن بالفعل بحاجة لشركة متخصصة لانتاج الأدوية حتى يكون هناك اكتفاء ذاتى، وهل الأفضل خضوع كل المستشفيات لجهة واحدة.
نقطة أخرى مهمة، تتعلق بما أثاره اتحاد المهن الطبية من ملاحظات على مشروع القانون، والمتعلقة بدخول المنشآت الطبية الحكومية للمنظومة عن طريق التعاقد وليس بصفة دائمة، وما قاله الاتحاد بشأن تجاهل الحقوق العادلة لمقدمى الخدمة الطبية، وتغول قانون التأمين الصحى على قوانين النقابات الطبية بشأن التراخيص متابعة تقديم الخدمة الطبية وتوفير الأدوية، وتجاهل تمثيل نقابات اتحاد المهن الطب بالهيئات التى تتولى تنفيذ القانون، والتعدى على قوانين مزاوله مهنة الصيدلة والمهن الطبية، وطول فترة تطبيق القانون بواقع 15 عاما على 6 مراحل بالجمهورية، وفرض رسوم على تراخيص المنشآت الطبية والصيدلانية دون غيرها من المهن الأخرى.
هذه الملاحظات مهمة ويجب أن تؤخذ فى الاعتبار أثناء المناقشة التفصيلية للقانون فى مجلس النواب، لأننا فى النهاية نريد أن نكون امام منظومة متكاملة، وأعتقد أن مجلس النواب ومعه الحكومة لديهم هذه الرغبة، فمن واقع متابعتى لمراحل النقاش حول القانون وجدت أن هناك جهدا كبيرا بذل، سواء فى لجنة الصحة بمجلس النواب، أو حتى فى الحكومة قبل تحويل مشروع القانون للبرلمان، فالجميع كان لديه رغبة أكيدة فى الخروج بالقانون بالشكل الذى يليق بالمصريين وانتظارهم الذى طال، لذلك تمت مناقشة نظمة التأمين الصحى فى بريطانيا، فرنسا، كندا، تشيلى، أستراليا، ألمانيا، اليابان، وتونس، السودان، الأردن، الإمارات العربية المتحدة إمارة دبى، حول كيفية تقديم الخدمة للمواطنين فى هذه الدول واشتراكاتهم وطرق ومصادر تمويل التأمين الصحى فى كل دولة، خاصة أن لكل دولة ميزة، فألمانيا تعد أول دولة تشرع قانونا للتأمين الصحى، ففى عام 1883 أصبح إلزاميا على بعض أرباب العمل «الشركات» والموظفين دفع الأقساط التأمينية لما يسمى صندوق المرض الذى يغطى تكاليف علاج الموظفين، والآن يشترك 90% من الألمان فى هذه الصناديق، أما بريطانيا لديها تجربة فى التمويل الذى يأتى 90% من حصيلة الضرائب العامة والباقى من ضريبة الضمان الاجتماعى.
المحصلة النهائية أننا أمام منظومة جديد يستحقها المصريون، وتستحق أيضاً توجيه الشكر لكل من ساهم لكى تصل إلى هذه المرحلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة