أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى وسياسيات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية وتأثير علاقتها الحميمية مع إسرائيل التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، حيث نواصل نشر البحث الذى وضعه رأفت حمدونه المختص فى الشؤون الإسرائيلية وحمل عنوان «المعونات الأمريكية لإسرائيل الأسباب والتجليات»، وفيه يشير إلى أن المنظمات الإرهابية التى تهدد إسرائيل لا تهدد الولايات المتحدة، فضلا عن أن «الإرهاب» الفلسطينى المزعوم ليس عنفا عشوائيا موجها ضد إسرائيل أو «الغرب»، فهو بدرجة كبيرة رد فعل على احتلال إسرائيل الذى طال أمده للضفة الغربية وقطاع غزة.
الأمر الأهم هو ادعاء إسرائيل والولايات المتحدة بأن أخطارا إرهابية مشتركة تهددهما هو قلب للعلاقة السببية، مع أن ما تعانيه الولايات المتحدة من مشكلة «الإرهاب» يرجع جزء كبير منه إلى تحالفها الوثيق مع إسرائيل، أن دعم أمريكا غير المشروط لإسرائيل يجعل الانتصار فى الحرب على الإرهاب أكثر صعوبة، لأنه يجعل من الأسهل على المنظمات المتطرفة أن تحصل على دعم شعبى وتجذب متطوعين أكثر.
ينتقل التقرير إلى تفنيد الأسباب الأخلاقية التى يسوقها المدافعون عن إسرائيل التى من أجلها يرون أنها تستحق دعما أمريكيا غير مشروط:
الادعاء الأول: أن إسرائيل بلد ضعيف محاط بالأعداء، وهذه الصورة التى غذاها قادة إسرائيل والكتاب المتعاطفون مع إسرائيل بعيدة تماما عن الحقيقة، بل إن العكس هو الأقرب للحقيقة، فحتى فى حرب 1947ـ1949 كان لدى الصهاينة قوات أكبر وأفضل تسليحا من القوات الأخرى، وحقق الجيش الإسرائيلى انتصارات سريعة فى حرب 1956 ضد مصر وفى عام 1967 ضد مصر وسوريا والأردن، كما أن إسرائيل هى الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تمتلك أسلحة نووية، أن إسرائيل بعيدة تماما عن أن تكون لا حيلة لها، حتى فى سنواتها الأولى، واليوم فإن إسرائيل هى القوة العسكرية الأولى بالشرق الأوسط حتى فى جانب الأسلحة التقليدية وتربطها بمصر والأردن اتفاقات سلام، وسوريا فقدت حليفها السوفيتى والعراق أهمدته الحروب، وإيران على بعد آلاف الأميال، ووفقا لتقرير مركز جافى للدراسات الاستراتيجية بجامعة تل أبيب لعام 2005 فإن «التوازن الاستراتيجى بين إسرائيل وجيرانها بات يميل للكفة الإسرائيلية، وإن الفجوة بين القدرات العسكرية والردعية لهؤلاء الجيران ضاقت أكثر فأكثر».
الادعاء الثانى: أن إسرائيل هى الديمقراطية الوحيدة فى المنطقة وتحيط بها ديكتاتوريات معادية، قد تبدو هذه الحجة مقنعة لكنها لا تبرر المستوى الحالى للدعم الأمريكى، فهناك العديد من الديمقراطيات فى العالم لكنها لا تحصل على الدعم الذى تحصل عليه إسرائيل. كما أن الولايات المتحدة أطاحت بحكومات ديمقراطية ودعمت ديكتاتوريات عندما كان ذلك يخدم المصالح الأمريكية، بل أن الولايات المتحدة تربطها حاليا علاقات طيبة مع عدد من الديكتاتوريات، وبالتالى فإن عامل الديمقراطية لا يفسر أو يبرر الدعم الأمريكى لإسرائيل ومن ناحية أخرى، تتعارض سمات الديمقراطية الإسرائيلية مع جوهر القيم الأمريكية، أن إسرائيل أسست بشكل واضح كدولة يهودية تعتمد المواطنة فيها على نسب الدم.
وبالتالى فإن الـ1.3 مليون عربى الذين يعيشون فى إسرائيل يعاملون على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، ولقد وجدت مؤخرا لجنة حكومية إسرائيلية أن إسرائيل تتصرف معهم بطريقة «تمييزية وبإهمال»، كما لا تسمح إسرائيل للفلسطينيين الذين يتزوجون من مواطنين إسرائيليين باكتساب المواطنة الإسرائيلية ولا تمنح الزوج الفلسطينى أو الزوجة الفلسطينية حق العيش فى إسرائيل. وتعتبر منظمة حقوق إنسان إسرائيلية هذا القيد «قانونا عنصريا يحدد من يمكنه العيش هنا طبقا لمعايير عنصرية»، من ناحية ثالثة يقوض الوضع الديمقراطى لإسرائيل رفضها منح الفلسطينيين دولة خاصة بهم تتوفر لها مقومات الحياة.
الادعاء الثالث يقول: إن الشعب اليهودى عانى فى الماضى من «الهولوكوست»، ومن ثم يستحق معاملة خاصة من الولايات المتحدة.. لا يشكك هذا التقرير فى أن اليهود عانوا فى الماضى لكن يقرر أن إنشاء إسرائيل تضمن جرائم إضافية ضد طرف ثالث برى بدرجة كبيرة وهو الفلسطينيون.
لقد طرد القادة الصهاينة المؤسسون أعدادا كبيرة من العرب من الأرض لإقامة دولتهم التى أصبحت إسرائيل. ففى عام 1941 كتب بن جوريون يقول: «من المستحيل تصور إجلاءً عاما «للسكان العرب» بدون إكراه، وإكراه عنيف». وفى عام 1947ـ 1948 دفعت القوات اليهودية 700 ألف فلسطينى إلى ترك أرضهم، وبعد الحرب منعت إسرائيل عودة هؤلاء الفلسطينيين. ويدرك قادة إسرائيل حقيقة أن إقامة دولة إسرائيل استتبعها جريمة أخلاقية ضد الشعب الفلسطينى إدراكا جيدا، لقد قال بن جوريون لـ ناحوم جولدمان، رئيس المؤتمر اليهودى العالمى: «لو كنت زعيما عربيا ما كنت أعقد اتفاقا مع إسرائيل.. أن ذلك طبيعى، لقد أخذنا بلدهم … إنهم يرون شيئا واحدا، لقد جئنا هنا وسرقنا بلدهم، لماذا عليهم أن يقبلوا ذلك»؟
إن التاريخ المأسوى للشعب اليهودى لا يلزم الولايات المتحدة بمساعدة إسرائيل بغض النظر عما تفعله حاليا.
الادعاء الأخير هو أن سلوك إسرائيل أعلى أخلاقيا من سلوك أعدائها.. يرى كاتبا الدراسة أن سلوك إسرائيل فى الماضى والحاضر لا يمنحها أسسا أخلاقية تميزها عن الفلسطينيين.. يتبع.