حينما طرح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب شعار «أمريكا أولاً» فى حملته الانتخابية ذهبت كل التوقعات إلى أنه حال انتخابه سيتقوقع داخلياً، محاولاً التوصل إلى حلول للأزمات التى تعرض لها منها موضوع الوظائف، وإعادة المصانع مرة أخرى للولايات المتحدة بعد هروب الكثير من المستثمرين إلى الخارج، وغيرها من الأزمات التى ركز عليها، محاولاً الحصول على أصوات المتأثرين بها، لكن بعد وصوله للبيت الأبيض، تغيرت هذه الوجه تماماً، وظهر ترامب محاولاً تطبيق الشعار فى الداخل والخارج أيضاً، وإن ركز على الخارج أكثر لأسباب منها سياسى والكثير منها أقتصادى.
فى الخارج ظهر ترامب اشتباكيا مع الجميع دون استثناء، بدأه عقب وصوله مباشرة للبيت الأبيض فى يناير الماضى باستخدام لهجة قوية مع كوريا الشمالية بدءا من التهكم على زعيمها وتسميته «رجل الصواريخ الصغير» والتهديد بصب «النار والغضب» على نظامه، وانتهى قبل يومين باتهام الصين وروسيا بالعمل ضد مصالح الولايات المتحدة، فى وثيقة «استراتيجية الأمن القومى» التى اتخذت نبرة حاسمة غير معهودة بقولها أن «الصين وروسيا تريدان صياغة عالم يمثل نقيض القيم والمصالح الأمريكية»، كما اتهمت الصين بمحاولة دفع الأمريكيين إلى خارج منطقة الهند والمحيط الهادئ، وروسيا بمحاولة استعادة موقعها كقوة عظمى.
الآن ومع اقترابنا من 2018 والعام الثانى لترامب فى البيت الأبيض، يبرز التساؤل المهم، إلى أين يتجه الرئيس الأمريكى؟! وهل سيهدئ من الحرائق التى أشعلها أم أنه سيزيدها ناراً؟.. لا يستطيع أحد التكهن بما يمكن أن يفعله ترامب صاحب المزاج المتقلب، فهو الآن فتح جبهات كثيرة منها إيران وكوريا الشمالية والصين وروسيا، ومن قبلها أثار غضب شركائه الأوربيين بعد خروجه من اتفاقية المناخ، ثم أخيراً صدم العرب بقراره الكارثى بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وهو القرار الذى أحدث حالة من الغضب العارم ليس فقط فى الدول العربية، وإنما فى أوربا التى أكد قادتها رفضهم لقرار ترامب.
اليوم يقبل ترامب على 2018 وأمامه الكثير من التحديات وأيضا الأزمات التى صنعها بنفسه، وليس أمامه سوى مراجعة نفسه ومواقفها أو أن يواصل فى 2018 ما بدأه فى 2017، وفى هذه الحالة يكون رهانه صعباً، خاصة أنه يواجه وضعاً داخلياً صعباً فى ظل زيادة الضغوط عليه بسبب التحقيقات التى تجرى بشأن تدخلات روسية فى الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن اتهامات البعض له بالتحرش بنساء، وكلها تؤثر على وضعه الداخلى، آخذاً فى الاعتبار أن منافسيه يتحينون الفرصة لسقوطه، وهو ما يزيد من حجم الضغوط الملقاة على عاتقه.
أغلب الظن أن ترامب قرر التوجه خارجياً لتفادى إلى مشاكل داخلية، من باب تصدير الأزمة للخارج، لكن هذا الأسلوب لن يجدى نفعاً على المدى الطويل، قد يستفيد منه مؤقتاً، لكن فى النهاية سيكون مطالباً بالرد على ما وجه له من اتهامات أو على الأقل أسئلة، لأنه مهما فعل فلن يستطيع أن يجعل الأمريكيين ينسون أنه أمام استحقاقات داخلية مهمة.
مع التركيز على الداخل سيكون على ترامب إعادة تقييم ما حدث فى الخارج، خاصة مع شركاء الولايات المتحدة التقليديين، تحديداً بريطانيا وألمانيا، ولا ننسى أنه سبق وهاجم ترامب رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماى والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على توتير واتهمهما بالتقاعس فى محاربة التطرف الإسلامى، كما أنه دخل فى صدام مع جيرانه، كندا والمكسيك، ليس فقط بسبب فكرة بناء الجدار العازل مع المكسيك، وإنما أيضاً بتهديده اتفاق «نافتا» مع البلدين، واليوم هو فى صدام قوى مع روسيا والصين، صدام دفع البلدان للرد على استراتيجية الأمن القومى الأمريكية بأنها تمثل «ذهنية الحرب الباردة» و«الطابع الإمبريالى».
كما سيكون ترامب مطالباً باحتواء حالة الغضب العربى الناجمة عن قراره الأخير بشأن القدس، لأنه مهما فعل فلن يستطيع الاستغناء عن دعم الدول العربية، خاصة الكبرى منها، سواء فى معركته ضد الإرهاب أو فى استراتيجيته النى ينوى تطبيقها ضد إيران، وفى ظل الوضعية الحالية لا يمكن للعرب أن يدخلوا فى تحالفات علنية مع ترامب الذى فقد جزءا كبيرا من رصيده فى الشارع العربى، بعد انحيازه الكامل لإسرائيل.
ترامب قبل أيام قال إن «أمريكا تعود، وأمريكا تعود قوية»، وهى رسالة موجهة بوضوح إلى قاعدته الانتخابية، لكنه لم يحدد لنا ولا لهذه القاعدة متى سيحدث ذلك، وكيف، وهل بناء على استراتيجية جديدة فى 2018، أم سيستكمل ما بدأه فى 2017، وحينها لن تعود أمريكا قوية، وفقاً لكثير من الخبراء الذين يرون أن كثرة الخلافات مع الخارج سترهق الولايات المتحدة، وربما تؤدى إلى أن تفقد الكثير من مزاياها.