إذا كان لدينا عدد كبير من المجالس القومية العاملة فى مجالات عديدة، فهل من الممكن أن نضيف إلى هذه المجالس مجلسا آخرا لمكافحة الضجيج والمزايدة والفشخرة ؟ لماذا ؟ سؤال وجيه. لأن كل ما قد تؤديه كافة المجالس الأخرى من عمل يصبح رهن رياح الصوت العالى والدوشة المقصودة والدوشة غير المقصودة ومزايدة القاصدين المخربين ومزايدة اللاهين ومزايدة الفارغين الذين لا يجدون ما يصنعونه ولا يقولونه – مع حرصهم وأملهم وحبهم لأن يكونوا أمام الكاميرات وعلى صفحات الجرائد – ولذلك يلجأون إلى طرح ما لا يثمن ولا يغنى من جوع من الاطروحات ومن التفسيرات ومن التعليقات . وقد يستغل الفارغون اتصالاتهم القوية أحيانا والكثيرة أحيانا، لينتشروا انتشارا سخيفا محبطا ويحولوا بعض الأحداث الهامة إلى حفلة ماسخة بلا طعم ولا معنى، ويحولوا بعض الأحداث الهامة إلى مسرحيات هزلية تثير الرثاء وقد تسىء الى الكثيرين والى أشياء كثيرة .
ضجيج الألوان وضجيج الأصوات يقتحم علينا البيوت والمدارس ومقار العمل والنوادى والاذاعات والطرق والمناسبات، ويقتحم حتى نشرات الأخبار التى يكسوها الجد وتبطنها الخطورة . وضجيج المبانى الأسمنتية والمبانى العارية من الدهان والمبانى المكسوة بالتراب . وضجيج الأزياء التى أصبحت مهترئة على البعض وأصبحت ألوانها قديمة وشكلها منفصلا عن واقعنا كأنها سقطت علينا من جريدة قديمة . وضجيج التاكسى وراديو التاكسى وأخلاق التاكسى . وضجيج منادى السيارات ومن فى حكمهم فى الشوارع وفى المطارات وغيرها . ثم ان البعض يهوى المزايدة فى كل شىء، حتى صارت كلماتنا وعباراتنا التى يتناقلها العامة حتى مستفزة بما فيها من مزايدات أصبحت تردد ككليشهيات محفوظة .
الفشخرة تسيطر على عقول أناس كثيرين، مع أن بعضهم لا يحتكم على ثمن الفشخرة، وانما يقترضها من هنا ومن هناك ليلبى نداء الواجب الفشخرى . ومسيرة الفشخرة تجعل الحياة أصعب وأصعب، وخاصة اذا صارت الفشخرة تستنزف بعضا من مصادرنا المادية فى أوجه صرف قد لا نكون بحاجة اليها، ناهيك عن الرسالة السلبية التى يبعثها هذا الانفاق الفشخرى أو المولع بالمظهر الى كثير من الأجيال الجديدة . وقد يرى بعض الشركاء ذوى الأهمية هذا السلوك الفشخرى غير متناسب مع مساعينا القومية ومع ما نحاول اثباته من جدية فى كفاحنا أمام المجتمع الدولى . إن الفشخرة أو البهرجة والمغالاة إرث يحتاج الى معالجة جادة لتهبط أفكارنا الى الأرض وتتماشى مع امكاناتنا فرادى وجماعات ودولة ومع تطورات الحياة العصرية وتحدياتها الكثيرة .
إن الاستثمار الجاد فى مكافحة كافة السلوكيات غير الايجابية، والاستثمار فى الارتقاء بالذوق العام، والاستثمار فى تنمية المستوى الفكرى والتعليمى العام للمجتمع قد يعود على المجتمع كله بخير وفير ويسهم فى تحقيق الكثير من الأهداف الوطنية التى قد لا يمكن تحقيقها بدون وعى جماعى أرقى . وما الفرق بين ما بين الشعوب المتقدمة والشعوب الكادحة، الا الفرق بين شعوب تعمل فى تناغم مع حكوماتها وتشاركها فكرها وطموحاتها، وشعوب قد تفصلها مسافة عن حكوماتها وترى ما تسعى اليه حكوماتها غير ضرورى أو لا يمثل ألوية أو يمثل عبئا أو يحقق حلما لفئة أو طبقة . ونظرة الى المبانى الأسمنتية والمبانى العارية الباقية على الطوب الأحمر فى مواقع كثيرة وما قد يعنيه هذا المنظر فى أعين السائحين وجهود الدولة لتشجيع السياحة – على سبيل المثال – قد توضح بعضا من تناغم غائب وتدعو الى وجود كيان يهتم بزرع الجميل الراقى فى كل منحى ويؤكد للعامة قبل الخاصة أن الجمال فى المجتمع ليس رفاهية وليس هواية أولاد الذوات . حفظ الله مصر ورئيسها ووفقه إلى الخير .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة