لا أفهم حتى الآن المنطق الذى استندت له السودان حينما أرسلت خطابا إلى الأمم المتحدة لإعلان رفضها اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية الموقعة فى 8 إبريل 2016، وترديدهم نفس المزاعم والأكاذيب القديمة بشأن من له السيادة على منطقة حلايب وشلاتين.
الإخوة فى السودان لا يبدو أنهم ينظرون بواقعية لمجريات الأحداث، وكل ما يهمهم هو إرضاء آخرين، يعتقدون أنهم قادرون على تلبية بعض من متطلباتهم، وأيضا استخدامهم نكاية فى مصر، رغم أن التاريخ والترابط الأسرى يحتم على الحكومة السودانية أن تكون الأكثر قربا لمصر، لا أن تأخذ هذه المواقف غير المفهومة، وليس آخرها موضوع حلايب، لأن هناك قائمة طويلة من التصرفات التى تأتينا من الخرطوم ولا نعرف لماذا صدرت هذه التصرفات، وهل لدى أشقائنا ما يبرر لهم هذه التصرفات، أم أن الأمر مرتبط بأمور أخرى لا نعلمها؟
شخصيا أتألم كثيرا حينما أرى انحرافا فى مستوى العلاقات المصرية السودانية، لأن التاريخ والجغرافيا وكل شىء يقف فى صف العلاقات الجيدة، فمن مصلحة البلدين أن يكون هناك تكامل بينهما وليس تنافسا، لذلك أجد نفسى مستغرقا فى البحث عن أسباب ما نحن فيه الآن، وهل له علاقة بأشخاص أم سياسات أم ماذا؟
أشقاؤنا فى السودان عليهم مراجعة أنفسهم حتى لا نصل إلى مرحلة لا نتمناها جميعا، وأقول السودان، لأنه، للأسف الشديد، هم البادئون دوما، سواء فيما يتعلق بموضوع حلايب وشلاتين أو فى الوقوف بشكل مبالغ فيه بجانب إثيوبيا فى موضوع سد النهضة، رغم يقينهم بالأضرار التى ستصيب مصر من وراء هذا السد إذا لم يكن هناك تفاهم مشترك بين الدول الثلاثة، وأيضا ما يقال من معلومات حول أمور أخرى مرتبطة بالأمن القومى المصرى يتم التخطيط لها من شخصيات مقيمة فى الخرطوم، وقرارات بمنع استيراد منتجات مصرية، وغيرها من الأمور التى تزيد من الشقاق غير المطلوب بين البلدين.
من حق حكومة الخرطوم، أن تبحث عن مصالحها، لكن شريطة ألا تسبب ضررا للآخرين، وهو ما ينطبق على مصر أيضا، وكلى يقين أنه إذا ما تنازل السودانيون عن نظرتهم السوداوية تجاه مصر، وتعاملوا ولو لمرة واحدة بمنطق الأخوة لاستطاع البلدان الوصول إلى صيغ من التكامل والتعاون بما يحقق الفائدة ليس فقط لشعبى البلدين، وإنما للدول العربية بأكملها، لأن استمرار الوضع على ما هو عليه الآن يصب فى صالح المستفيدين من ضعف الأمة العربية.
أعود مرة أخرى لخطاب السودان للأمم المتحدة المعترض على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وما انطوى عليه الخطاب من مزاعم حول السيادة السودانية على منطقة حلايب وشلاتين أو الادعاء باحتلال مصر لها، وهى النقطة التى ردت عليها الخارجية المصرية فى بيان أكدت فيه أنها بصدد توجيه خطاب إلى سكرتارية الأمم المتحدة لرفض الخطاب السودانى وما تضمنه من مزاعم فى هذا الصدد، وللتأكيد على أن حلايب وشلاتين أرض مصرية يقطنها مواطنون مصريون تحت السيادة المصرية، لكن ما يهمنى هنا هو هذا التناقض الذى يأتينا من الخرطوم، فوزارة الخارجية السودانية التى تعترض حالياً على الاتفاقية، هى نفسها التى قام وزيرها إبراهيم غندور، فى 14 إبريل 2016، بتهنئة نظيره السعودى عادل الجبير خلال لقاء جمعهما بالعاصمة التركية إسطنبول، بالاتفاقيات التى وقعت مع مصر، ووفقا لما نقلته وسائل الإعلام السودانية وقتها، فإن غندور «عبر عن تمنياته للبلدين بالتطور والنماء»، فإذا كان ذلك هو موقف الوزير السودانى، فلماذا عادت السودان مرة أخرى واعترضت على الاتفاقية؟
الخبثاء رأوا أن موقف الخرطوم الأخير مرتبط بالتقارب الظاهر بين السودان وقطر، فى وقت تواجه قطر رفضا لسياساتها من جانب الرباعى العربى «مصر والسعودية والإمارات والبحرين»، كما قال آخرون إن خطاب الخرطوم للأمم المتحدة جاء قبل أقل من أسبوع على زيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان التى سيقوم بها للسودان اليوم الأحد، والتى تعد أول زيارة يقوم بها رئيس تركى للخرطوم منذ استقلال السودان، وستشهد هذه الزيارة منح جامعة الخرطوم الدكتوراه الفخرية لأردوغان المعروف أنه الداعم الكبر لجماعة الإخوان الإرهابية، ولعدد من الميليشيات والتنظيمات الإرهابية فى سوريا وليبيا.
قد يكون السودان أراد مجاملة ضيفه التركى، الذى يواجه رفضا من جانب مصر ودولا أخرى فى المنطقة، ترى يداه ملطخة بدماء الأبرياء، لكن لا أعتقد أن هذه هى الطريقة المثلى للتعامل بين شقيقين مثل مصر والسودان، وأظن أنه مع مرور الوقت سيدرك الأشقاء فى الخرطوم أن مصر هى الأقرب لهم من ريالات قطر، أو حجنورية أردوغان الذى لا يحل ضيفا على بلد إلا ويحل معه الخراب والدمار.