هى مصر بمكوناتها الراسخة فى جذور التاريخ: الشعب والأرض والسيادة، حافظت على جوهرها على مر التاريخ، وخرجت من جميع الحروب والتحديات قوية شامخة، لم تنل منها ثقافات دخيلة، ولم تضعفها مؤامرات ضارية، وظلت تورِّث ثوابتها لأجيال بعد أجيال، يحافظون عليها، ويسلمون رايتها لمن بعدهم، لم تنكسر ولم تضعف، وزادتها المحن والأزمات قوة وصلابة.
«1» الشعب: أضفى النيل على المصريين تسامحاً وتعايشاً سلمياً، من فيض الخيرات على ضفافه، فلم نكن أبداً قبائل تتحارب فى الصحراء على بئر مياه، وإنما شعب تجرى فى عروقه قطرات النهر العظيم، ومنذ توحيد القطرين على يد الملك مينا، ظلت مصر موحدة بسبب تلاحم شعبها وائتلاف سبل حياتهم المعيشية.
بُنيت عقيدة الشعب المصرى على إضفاء لمسات روحية بصبغة مصرية على كل الأديان، فلم يكن بيننا صراع مذهبى كالذى يكسر عظام شعوب أخرى تحت قسمة السنة والشيعة، وصار الإسلام جوهراً مصرياً أصيلاً يشع نوره على الدنيا، أكثر من أى دولة أخرى، وعندما أراد حكم الإرهابية، أن يجرها إلى الصراعات المذهبية الدموية، تصدى المصريون لمحاولات الفتن، وزادتهم الأحداث تماسكاً والتحاماً.
وعاش عنصرا الأمة على مر التاريخ نسيجاً واحداً، لا تعرف الفرق فى الأشكال والطباع بين مسلم ومسيحى، إلا أن بعضهم يذهب للمساجد وبعضهم يذهب للكنائس ولا فرق، وفى المحن يظهر المعدن الأصيل، ويدافع المسلم عن الكنيسة والمسيحى عن المسجد، وامتزجت دماء الاثنين على أرض سيناء الطاهرة، فى أقدس الحروب التى خاضتها البلاد فى أكتوبر 1973.
لم يُعرف عن الشعب المصرى إلا احتواء جميع الطوائف والمذاهب وأصحاب الديانات، تحت مظلته الوارقة التى توحِّد ولا تفرق، تصون ولا تبدد، واكتست ملامح الناس بروح السماحة والتعايش الآمن، ولم تعرف البلاد حياً أو شارعاً يقيم فيه المسيحيون بمفردهم، أو يجعله المسلمون حكراً عليهم، واختلط الجميع فى نفس الشوارع والبيوت وأماكن العمل، وسادت بينهم علاقات طيبة، جعلت الحفاظ على نسيج الأمة، قضية حياة أو موت للمصريين جميعاً.
وعُرف عن الشعب المصرى عشقه للفنون والآداب والثقافة، ينهل منها ما يشكل قوته الناعمة التى لعبت فى معظم المحن حائط صد، يمنع التشتت والانقسام، ويختزن فى حضارته احتياطى استراتيجى يحمى هويته ويحفظ تفرده، ولم يأخذ من ثقافات الغزو والعدوان، إلا ما ينفعه ويتماشى معه ولا يمس ثوابته الأصيلة.
تلك هى الخطوط الحمراء التى لا يجوز الاقتراب منها، أو دق أسافين فى مكوناتها، أو افتعال أزمات بشأنها.. نختلف ولا نتشاجر، نتناقش ولا نتصارع، وعند مفترق الطرق نعود إلى الثوابت والأصول، ومغزاها أننا شعب واحد تحت مظلة وارقة هى مصر، أم الدنيا وسيدة الكون، التى تزيدها المحن والأزمات بريقاً وتوهجاً، مستمداً من وحدة وتماسك شعبها، الذى هو جوهر الدولة المصرية.
وللحديث بقية...
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة