ما الذى يوجد فى الأقصر؟ ومن أين يأتيها كل هذا السحر الذى شعرت به ما أن وطأت قدمى أرض المدينة الخالدة؟ هل هى الآثار؟ أم أن الإحساس بكونى أسير على أرض سار عليها الأجداد منذ آلاف السنين يثير فى نفسى رهبة؟
ذهبت إلى مدينة الأقصر، وهو أمر بالنسبة إلى عظيم، ومنذ دخلتها فى نحو الساعة السابعة مساء وأنا شغوف بكل ما فيها، بنيلها الذى يتحرك بقوة ناحية الشمال حاملا معه صوت السائحين فى المراكب الصغيرة وصوت محركات مراكب الشحن التى لا تزال تعمل بكثافة فى تلك المنطقة من العالم، النيل الذى يترك على شاطئه رملا أبيض يذكر بالماضى الذى شوهوه فى المدن الشمالية عندما حاصروا الماء بحجارة الرصف فتحول إلى «ترعة كبيرة» لا تحمل جمالا ولا تقدم فنا، فى الأقصر لا يزال النيل جميلا تزوره الشمس كل صباح مقدمة دفئا صباحيا نفتقده.
فى رأيى أن الشمس هنا، حتما، تعرف أنها تشرق على أرض مباركة، وتغيب عن أرض مباركة أيضا، وأنها تزور حضارة خالدة تنافسها فى تحدى الزمن، لذا تحترم ما تطلع عليه من ناس وأرض وشجر وجبال وآثار، فليس فى دفئها شك وليس فى دورها غياب أو نقصان.
وفى الأقصر تشعر بأن مصر تملك خصوصية ما، هذه الخصوصية ما يميزها هو الجمال الذى يجمع بين الكثير من الصفات الأفريقية وبعض صفات أهل الشمال، لذا هى ذات طبيعة خاصة، ربما جزء من ذلك نأتى محملين به نحن الزائرين الباحثين عن أصلنا فى هذا المكان القديم.
ترى كل ذلك وأنت تسير فى شوارع المدينة وأسواقها، عندما تتوقف لمشاهده ما يبيعه رجل عجوز، بالتأكيد عاصر أيام الازدهار والرواج السياحى، لكننى لم أشعر بيأسه ولم يشكو إلى شيئا، تعامل معى كأننى أهم مَن وقف أما «دكانه» يشترى منه أشياء قليلة وصغيرة، لم يساومنى ولم أساومه، لكنه لم يغالى علىّ أصلا، كنت أتأمل طريقته فى عرض الأشياء ورضاه ببيع القليل وأسعد بذلك.
فى الأقصر لا يزال صوت الأذان فى الفجر قادما من خلف «جناين» الفاكهة، نديا محملا بالصلاة على النبى فى ختام الأذان، ولم تزل الموسيقى سارية فى الشوارع فى ساحة أبى الحجاج بين معبد الأقصر العظيم وبين المسجد الشهير، حيث تغنى فرقة نوبية ما شاء لها أن تغنى.
كل ذلك يأتى جميلا محاطا بالآثار العظيمة التى تؤكد أن الأجداد كانوا يملكون من الخيال ما لا نملكه.. لكن لذلك حديث آخر غدا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة