أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى وسياسيات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية وطبقا للموسوعة السياسية العالمية التى رصدت العلاقات بين دوله الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الإسرائيلى التى رصدت تاريخ العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية التى مرت بعدة مراحل، لعب فيها اللوبى الصهيونى دوراً بالغاً ومؤثراً فى توجهات السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربى الإسرائيلى فى الشرق الأوسط بدءاً من قبل إعلان دولة إسرائيل عام 1948 وحتى الآن، وتشير الموسوعة إلى أنه بعد النجاح الذى أحرزه الصهاينة فى الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أن ضمنوا تأييد حكومة واشنطن لهم قرروا أن يخوضوا مع سلطات الانتداب البريطانى فى فلسطين، معركة مواجهة ضد قوانين تحديد الهجرة اليهودية فبدأوا يباشرون نشاطاً إجرامياً إرهابياً، تشاركت فيه منظمات إرهابية منها شتيرن وإرغون وتسفاى لئومى، فعمدت إلى نسف الجسور وخطف الجنود البريطانيين وإعدامهم. وأخذ عدد اليهود يتزايد يوماً بعد يوم فى فلسطين، كما ازدادت أملاكهم، ومُولت هذه الهجرات بواسطة كبار الرأسماليين اليهود من أسرة روتشيلد Rothschild وكذلك البارون «دى هيرش».
فى أعقاب الحرب العالمية الثانية وفى ضوء الأحداث التى توالت فى فلسطين خلال عام 1945 وأوائل عام 1946 وتزايد الهجرات اليهودية إلى فلسطين، اقترحت بريطانيا تشكيل لجنة تحقيق مشتركة إنجليزية – أمريكية تتحرى المشكلة اليهودية الأوروبية وتعيد النظر فى القضية الفلسطينية، وقبلت الحكومة الأمريكية الاقتراح البريطانى وأعلنت الحكومتان عن أسماء أعضاء لجنة التحقيق الإنجليزية – الأمريكية، واستمعت اللجنة إلى آراء المهتمين بالمشكلة فى واشنطن ولندن، وزارت معسكرات اللاجئين اليهود فى ألمانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا والنمسا وإيطاليا واليونان، كما جالت فى فلسطين، وزارت كذلك عواصم سورية ولبنان والعراق والمملكة العربية السعودية وشرق الأردن، وأصدرت تقريرها فى 20 أبريل 1946 متضمناً ثلاث توصيات رئيسية:
- ضرورة بقاء الانتداب البريطانى فى فلسطين لحين الاتفاق على تنفيذ وصاية الأمم المتحدة على فلسطين مع عدم تقسيمها إلى دولة يهودية وأخرى عربية.
- السماح فوراً بإدخال 100 ألف لاجى يهودى من ضحايا اضطهاد النازية والفاشية إلى فلسطين.
- إلغاء القوانين المتعلقة بانتقال ملكية الأراضى واستبدالها بقوانين تستند إلى سياسة حرة فى بيع الأراضى وإيجارها والانتفاع منها، بصرف النظر عن الجنس أو الملة أو العقيدة، مع حماية صغار الملاك والزراع المستأجرين.
غير أن الحكومتين الأمريكية والبريطانية لم ترفضا توصيات اللجنة ولم تقبلاها كذلك، أمــا العرب فقـد رفضوا توصيات اللجنة خلال اجتماع مجلس الجامعة العربية فى دورته غير العادية فى بلودان بسورية فى يونيه 1946.
وأسرعت الحكومتان الأمريكية والبريطانية فى يوليه 1946، إلى تشكيل لجنة تحقيق إنجليزية - أمريكية جديدة، لكى تتحرى الأوضاع بالنسبة لمشكلة الهجرة اليهودية والوضع اليهودى فى أوروبا، وتضع تقريراً فى مدى 120 يوماً، وكانت اللجنة المشتركة الجديدة تتألف من موظفين رسميين بعكس اللجنة الأولى، وتضمنت توصياتها مشروعاً عرف بمشروع «جرادى موريسون» ودعا المشروع إلى إنشاء دولة اتحادية فى فلسطين من العرب واليهود معاً، على أن تضم هذه الدولة مناطق أربعاً: مقاطعة عربية وأخرى يهودية ومنطقة القدس ومنطقة النقب. وأن تكون الحدود بينها مجرد حدود إدارية، تحدد المنطقة التى يسمح فيها بإيجاد هيئة تشريعية محلية وأن تنشأ بها هيئة تنفيذية تتولى تنفيذ القوانين، على ألا يكون لها أى مساس بمسائل الدفاع والجمارك والمواصلات والعلاقات الخارجية التى يحتفظ بها للحكومة المركزية، وينشأ فى كلّ مقاطعة مجلس تشريعى منتخب، وتتكون هيئة تنفيذية من رئيس وزراء ومجلس وزراء يعينهم المندوب السامى، وبالنسبة لمشكلة الهجرة، اقترح مشروع «جرادى موريسون» أن تجرى الهجرة اليهودية إلى فلسطين بموافقة العرب واليهود معاً، بحيث لا تزيد الهجرة على طاقة الاستيعاب الاقتصادى.
وعلى أى حال فقد تقدم الوفدان البريطانى والأمريكى باقتراح يتضمن إدخال 100 ألف يهودى إلى المنطقة اليهودية على ألا ينفذ ذلك إلا بعد أن يتقرر تنفيذ البنود الدستورية، واقترح الوفد الأمريكى أن يطلب الرئيس الأمريكى «هارى ترومان Harry Truman» من الكونجرس تشريعاً يقضى بتقديم منح وقروض تصل إلى 300 مليون دولار وترصد لتطوير فلسطين اقتصادياً.
وفى 7 أغسطس 1946، رفض الرئيس ترومان الخطة البريطانية – الأمريكية الجديدة، فى الوقت الذى كانت بريطانيا شديدة التخوف من آثار إدخال الـ100 ألف يهودى فى فلسطين على وضعها فى المنطقة العربية، ومن ثم أعلنت تمسكها بخطة إنشاء دولة اتحادية مع الاستقلال الذاتى الإدارى، لكونها أحسن وسيلة لإدخال عدد كبير من اليهود إلى فلسطين.
ورفض ترومان العروض البريطانية فى 12 أغسطس 1946، ثم قررت الولايات المتحدة الأمريكية السير فى طريق منفصل عن بريطانيا وعدم الاشتراك فى المرحلة التالية الخاصة بعقد مؤتمر عربى – بريطانى فى لندن لمناقشة خطة الاستقلال الذاتى الإدارى، فقد آثر ترومان إرضاء الأقلية اليهودية الأمريكية، وذلك بالإصرار على إدخال الـ100 ألف يهودى من بعض دول أوروبا إلى فلسطين فى أقرب وقت دون أى حسبان لمخاوف بريطانيا من نتائج اتخاذ هذه الخطوة... «يتبع».