أحمد إبراهيم الشريف

عندما يقسم الفرعونى: لم أصطد السمك بلحم صغاره

الأربعاء، 27 ديسمبر 2017 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى زيارتى لمدينة الأقصر، شاهدت التاريخ حاضرا بكل أبهته، متحديا السنوات التى لا يستطيع أحد إيقافها، والتى تتوالى علينا فتُغير وتبدل وتمحو وترسم من جديد، لكن الفراعنة عن طريق الفن عرفوا طريقهم إلى الخلود، لذا فشلت كل محاولات الكراهية التى مرت على هذه الأرض الطيبة فى أن تمحو شيئا من هذه الحضارة.
 
فى رحلتنا كان الدكتور كمال مغيث، متطوعا، يقوم بدور المرشد السياحى لنا، وانطلاقا من محبة كاملة ومن معرفة تامة بالتاريخ والآثار جال معنا وصال فى معبدى الأقصر والكرنك، عارفا بأسرار الحجر والبشر وكاشفا عن  معلومات إنسانية كانت بالنسبة إلىَّ جديدة ومختلفة ودالة.
 
قال لنا الدكتور كمال مغيث «إن الإنسان المصرى لم يكن يعرف فى تعامله مع آلهته القربان البشرى مثل كثير من الحضارات الأخرى فى مناطق العالم المختلفة»، وقال أيضا «إن المصريين القدماء لم يكونوا يعرفون ثقافة اتخاذ أعدائهم فى الحروب عبيدا»، وقرأ علينا جملة عظيمة لم أكن أعرفها حقا وهى أن المصرى القديم، وحسب كتاب الموتى، عندما يقسم قسمه الإنكارى يقول «ولم أصطد السمك بلحم صغاره».
 
هذه الجملة بعدما قالها كمال مغيث ظللت أفكر فيها وأتأملها وأقلب فى معانيها ودلالتها، حيث سحرتنى تماما وجعلتنى أزداد فتنة بالحضارة المصرية القديمة ومحبة لها، فهى رغم كلماتها التى لا تتعدى الخمس كلمات تحمل فى داخلها «جوهر» الحضارة المصرية القديمة، وتؤكد لماذا استمرت هذه الحضارة آلاف السنوات وستستمر أيضا إلى ما يشاء الله.
 
هذه الجملة هى دليل الإنسانية الحقة، فالمصرى القديم يملك قلبا عظيما لدرجة الشفقة المطلقة، فهو لم يصطد السمك من النيل بلحم صغاره من الأسماك، وهى جملة لها ظاهر وباطن، الظاهر هو ما وصل إلينا، خاصة أن «الطُعم» الذى يُصطاد به السمك معروف وعادة ما يكون من الأسماك الصغيرة، أما المعنى الباطن خلف هذه الجملة فهو «الرحمة» التى اختار المصرى القديم أن تكون من سماته، هذه الرحمة تتسع حتى تضم الحيوان والكائنات، فالسمك لا يعرف  إن كان «الطُعم» من لحم ابنه أم لا، أما الإنسان الذى يقوم بالصيد فيعرف، لذا فإنه لو قام بذلك الفعل «المشئوم» فإنه لا يستحق رحمة ربه، كما أن الإنسان الذى يصطاد السمك بلحم صغاره هو إنسان يمكن أن يأخذ حق الآخرين، ويمكن أن يقتل ويظلم ويفعل المنكرات.
 
هذا ما فهمه المصرى القديم من هذه الجملة، لذا أقر بأنه لم يفعل ذلك، وأن قلبه ممتلئ بالرحمة، وعليه استحق هو وحضارته أن  يتحديا الزمن ويحققا الخلود.         






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة