أبرز ما يميز مكتب رئيس تحرير صحيفة «اليوم السابع»، صورتين للأستاذين محمد حسنين هيكل ومصطفى أمين، لا يفرق بينهما إلا مسافة بقدر «كف اليد»، رغم ما كان بينهما من « مصانع الحداد».. مر التاريخ عليهما بعد سنوات من الفراق، وتجمعا فى الطابق الرابع بـ6 شارع وزارة الزراعة، وهو نفس العقار الذى كان فيما مضى منزلا لحسين الشافعى نائب رئيس الجمهورية، وقت الرئيس جمال عبدالناصر.
كان سؤالى للأستاذ خالد صلاح رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة، لماذا هيكل ومصطفى أمين، فكانت الإجابة، لأنهما القدوة والمثل فى «الشغلانة» هما أبرز من احترف صناعة الصحافة وأبرز من ترك علامات بارزة أنارت لنا الطريق فيما بعد وأبرز من كانت لهما علاقات داخل السلطة وخارجها.
يومها أدركت قيمة الرموز لدى رئيس تحرير «اليوم السابع»، وما يريد أن يغرسه فى جيل جديد من الصحفيين يتحمل هو مسؤوليته الضمنية تجاه بعض منه، بعد فترة، كانت مبادرة أخرى فى المؤسسة بتوسيع دائرة تقدير الرموز فى مؤسستنا بـ«اليوم السابع»، فكانت خطوة وضع صور للأساتذة محمود عوض ومحمد التابعى وعلى أمين ومصطفى شردى فى مدخل الصحيفة مع إطلاق اسم الأستاذ محمود عوض على قاعة الاجتماعات الرئيسية واسم مصطفى أمين على القاعة الأخرى.
لهذه التحركات التى تبدو بسيطة، تترسخ فى قلوبنا، نحن شباب الصحفيين، قيم تقدير الرموز فى تاريخ الصحافة، وأساتذة المهنة الحقيقيين، وواحد من هؤلاء هو فقيدنا اليوم الأستاذ الكبير صلاح عيسى، الذى رحل بعد صراع مع المرض، تألمنا للرحيل، نعم، ولكن يبقى أن إنتاجه الفكرى باق لنا وباق سيرته الطيبة وكم الذكريات التى يسردها تلاميذه عنه، كيف كان قويا فى طرح أفكاره ومشاغبا فى وجه السلطة، وقاسيا فى النقد وبارعا فى سرد الوقائع التاريخية.
وأتذكر هنا الكتاب الأشهر له فى فن التأريخ، كتاب «حكايات من دفتر الوطن» الذى صنف ضمن أجمل الكتب التى سردت الوقائع التاريخية التى عاشتها مصر، ولا تزال مقدمته الشهيرة لفن كتابة التاريخ درس لكل قارئ وباحث عن أى معلومة، والتى قال فيها و«ليس لدى وأنا أقدم الكتاب إلا أن أؤكد أن الحكايات ليس فيها سطر واحد من الخيال أو عبارة واحدة لا تستند إلى مرجع أو مصدر سواء كان وثيقة أو صحيفة أو مذكرات أو دراسات أو أبحاث، فهو تاريخ يخضع لكل شروط حرفة التأريخ، حتى أننى كنت أبحث أياما عن حالة الجو فى يوم وقوع الحادث أو عن وصف أحد أبطالى».
برحيل الأستاذ صلاح عيسى، يتطلب الأمر من القائمين على صناعة الصحافة تكريم الرموز فى حياتهم بدلا من التعزية فقط بعد الموت، أعتقد أن المجلس الأعلى للصحافة عليه أن يحتفى بأساتذة المهنة ممن هم على قيد الحياة وأن يؤسس لجنة لرعايتهم اجتماعيا وإنسانيا والاطمئنان على أحوالهم من وقت لآخر، بدلا من تذكرهم فقط وقت دخول العناية المركزة بالمستشفيات.
أتمنى أن يكون تقدير الرموز أمر ثابت داخل كل مؤسساتنا الصحفية، لا يعتمد على شخص رئيس التحرير أو الجالس على كرسى الإدارة اليوم.
البقاء لله فى وفاة أستاذنا صلاح عيسى.