أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى وسياسيات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل، التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية وطبقا للموسوعة السياسية العالمية التى رصدت العلاقات بين دولة الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الإسرائيلى التى مرت بعدة مراحل، لعب فيها اللوبى الصهيونى دوراً بالغاً ومؤثراً فى توجهات السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربى الإسرائيلى فى الشرق الأوسط بدءاً من قبل إعلان دولة إسرائيل عام 1948 وحتى الآن.
وتشير الموسوعة إلى أن مرحلة الصراع العربى الإسرائيلى والدور الاستراتيجى لإسرائيل فى الشرق الأوسط «1948-1973» شهدت هذه الفترة 4 جولات من الصراع العربى – الإسرائيلى منذ إعلان دولة إسرائيل فى مايو 1948 وحتى حرب أكتوبر1973، وقد أدت هذه الصراعات إلى زيادة مساحة دولة إسرائيل عما قدر لها فى قرار التقسيم واختفاء فلسطين، وبروز مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، والواقع أن جميع الانتصارات التى حققتها الصهيونية فى حروبها مع الأمة العربية فى النصف الثانى من القرن العشرين، إنما تحققت بفعل ما تلقته من عون من القوى العالمية الكبرى، كانت بريطانيا وراء نشوء الكيان الصهيونى وخروجه ظافراً فى حرب 1948، وكانت بريطانيا ذاتها مع حليفتها فرنسا وراء انتصار إسرائيل عام 1956، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية هى صانعة نصرها فى حرب1967، وفى تغيير كافة التوازن خلال حرب 1973 بعد إمدادها بجسر من السلاح.
والواقع أن الولايات المتحدة الأمريكية قد بنت إستراتيجيتها منذ منتصف القرن العشرين على أساس وراثة الإمبراطوريتَين البريطانية والفرنسية وأخذ مكانهما بمنطقة الشرق الأوسط ومنذ ذلك الحين انتقلت الهيمنة من الدول الغربية إلى يد الولايات المتحدة الأمريكية بصفة مطلقة وأخذت مكانها على قمة النظام الرأسمالى العالمى، خاصة بعد امتلاكها للقدرات النووية، وأصبحت الإستراتيجية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط يحكمها مبدأ توازن القوى أو التوازن الدولى الذى أصبح يتحكم فى العلاقات الدولية إلى درجة كبيرة بحيث أصبح عاملاً حاسماً للتحكم فى مصير السلام أو الحرب.
التقت الاستراتيجية الأمريكية مع الدور الاستراتيجى الإسرائيلى فى منطقة الشرق الأوسط الذى يستطيع أن يحقق المصالح الأمريكية من خلال التوافق المشترك على المبادئ التالية:
أولا: تشجيع تدابير الدفاع الإقليمى ضد الاتحاد السوفيتى، وإنشاء تكتلات دفاعية فى منطقة الشرق الأوسط ضد محاولات التوسع السوفيتى.
ثانيا: المحافظة على أمن إسرائيل ضد أىّ عدوان من جيرانها ودعمها عسكرياً واقتصادياً ومادياً، من أجل تحقيق التفوق على العرب.
ثالثا: نشر الديموقراطية بين بلدان المنطقة، لتهيئة الظروف الكفيلة بتحقيق الاستقرار بين دول منطقة الشرق الأوسط، ومحاولة تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل بما يتناسب مع المطالب الإسرائيلية.
رابعا: الضغط على الدول العربية من أجل الاعتراف بدولة إسرائيل وإنشاء علاقات كاملة معها.
خامسا: تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية هى الحليف الرئيسى لدولة إسرائيل.
سادسا: تخزين المعدات العسكرية الأمريكية بالأراضى الإسرائيلية لسرعة الفتح الاستراتيجى لقواتها للتدخل فى مناطق الأزمات بمنطقة الشرق الأوسط.
سابعا: تأمين حصول الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها على إمدادات البترول من منطقة الشرق الأوسط.
هذا ويمكن تقسيم هذه الفترة الزمنية «1948 - 1973» إلى فترتَين كالآتى:
الفترة الأولى: توثيق المعلومات الإستراتيجية الإسرائيلية الأمريكية «1948 - 1967».
خلال الفترة من «1947 - 1948»، كانت الإدارة الأمريكية للأزمة بين العرب وإسرائيل، إدارة معقدة ومترددة، حيث كانت تخشى أن يفضى مشروع تقسيم فلسطين إلى نتائج سلبية تؤثر عليها، ومن ثم حذرت التقارير الصادرة عن وزارتَى الخارجية والدفاع الأمريكيتَين خلال يناير وفبراير 1948 من أىّ مشاركة أمريكية فى تنفيذ التقسيم على الأرض. وعلى الرغم من ذلك فإنه كانت هناك آمال عريضة فى نجاح وإقرار التقسيم ونشوء الدولة اليهودية بفلسطين، وذلك كما ورد فى المذكرة السرية التى وجهها وزير الدفاع الأمريكى إلى مجلس الأمن القومى الأمريكى فى 16 مايو 1949 تحت عنوان «المصالح الإسترايتيجة الأمريكية فى إسرائيل»، حيث تبين أن لإسرائيل علاقات وثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية نتيجة وجود أغلبية يهودية أمريكية كبيرة وقوية النفوذ، وقد ورد بهذه المذكرة أن إسرائيل تمثل أهمية استراتيجية كبرى من المنظور الأمريكى فيما يتعلق بموقعها المركزى الهام فى الشرق الأوسط.
وتكشف تطورات النصف الأول من الخمسينيات، تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية أهمية إسرائيل فى الاستراتيجية الأمريكية وتأكيد هذا المفهوم للجانب العربى، وذلك من خلال:
- اعتزام الولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على تفوق إسرائيل الإقليمى الرادع فى مواجهة الدول العربية، على الرغم من أنها كانت تتمنى التوصل إلى مصالحة عربية إسرائيلية، تستهدف تعبئة الطرفَين ضد الاتحاد السوفيتى. «يتبع».