أن يتصدى باحث عربى لقبرص فهو أمر يستحق التقدير فى ظل تراجع الاهتمام بمحيطنا الجغرافى بحثيا، لذا جاء صدور كتاب الدكتور بدر عبد العزيز بدر تحت عنوان "قبرص.. تاريخ وحضارة" ليسد ثغرات فى المكتبة العربية.
الكتاب صدر عن الحكمة للنشر، وهو حافل بالمعلومات لتناوله قبرص منذ عصور ما قبل التاريخ إلى العصر الحديث، وبالتالى فإيجازه أمر صعب خاصة أن المؤلف امتلك قدرة عالية على تركيز وتكثيف دراسته، لكننا فى هذا السياق نؤكد على أن أهم قسمين فى كتابه هما العلاقات بين قبرص ودولة المماليك فى مصر وقبرص والدولة العثمانية، الفصلين يعكسان أهمية قبرص فى حوض البحر المتوسط جزيرة قبرص ثالث أكبر جزائر البحر المتوسط بعد صقلية وسيردينا.
الكتاب يتوقف عند مدن قبرص التى تعكس طبيعة الجزيرة، وهذا ما نستوقف معه عند أهمها:-
مدينة نيقوسيا:
هى عاصمة جزيرة قبرص وتعتبر من أهم مدن الجزيرة حيث يبلغ عدد سكانها 197.800 نسمة طبقًا لتعداد السكان الصادر سنة 1420ه/ 1999م، وقد نشأت مدينة نيقوسيا منذ ألف عام، وتشير بعض المخطوطات والسجلات الآشورية التى تعود إلى القرن السابع عشر أن مدينة نيقوسيا قد شيدت على أطلال مدينة لدرا التى يعود تاريخها إلى العصر البرونزى ومدينة لوكوس التى أقامها بطليموس الأول "سوتر" عام 305ق.م.
ثم قام الإمبراطور البيزنطى فوكاس فى عام 354ه/ 965م بإعادة بناء مدينتى لدرا ولوكوس.
وتتميز مدينة نيقوسنا القديمة بموقعها الجغرافى حيث تتوسط الجزيرة كما أنها تبعد عن السواحل الشاطئية للجزيرة، ما جعلها محمية طبيعية ضد غارات القراصنة الذين كانوا يقومون بالغارات على المدن والقرى.
والمدينة تميز بتخطيطها الدائرى كما يحيط بها أسوار دائرية وتحصينات قوية أقامها البنادقة فى القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي.
وقبل ذلك وبالتحديد فى عهد أسرة لوزينيان الفرنسية التى حكمت الجزيرة من سنة 588ه/ 1192م وحتى 895ه/ 1489م أصبحت مدينة نيقوسيا عاصمة جزيرة قبرص ومقرًا لحكومة لوزيينيان التى قضى البنادقة الإيطاليون عليها كما كانت مركزًا للأساقفة الكاثوليك، وكان يقيم فيها أكثر من عشرين ألف نسمة من الأعراق والجنسيات المختلفة من اليونانيين الأرثوزوكس وأصحاب الأراضى الكاثوليك والأقباط والأرمن واليهود، ويمر بداخل المدينة "نهر بيدالوس" الذى يتخلله الكثير من الجسور الصغيرة.
وتزخر مدينة نيقوسيا بالعديد من المبانى الأثرية ذات القيمة التاريخية، ومجموعة المتاحف الهامة وأهمها متحف المجوهرات، ومتحف تاريخ العملات القبرصية، ومتحف قبرص الذى يحتوى على مجموعة من التحف والكنوز القبرصية التى تعود إلى العصر الحجرى الحديث والعصور الأخرى حتى العصر الرومانى ومجموعة الفن الحديث ومركز الحرف اليدوية القبرصية ومتحف النضال الوطنى ومنزل الترجمان اليونانى القبرصى "حاجى جيورجاكيس كورنيسيوس" “Hadji Georgiakis Kornessios” الذى يمثل نموذجًا رائعًا لعمارة القرن الثانى عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادى ويشغله الآن متحف الفنون العثمانية.
كما تضم مدينة نيقوسيا كنائس قديمة ومتاحف بيزنطية، ومتاحف خاصة بالفن الشعبى وكذلك مقر الأسقفية، وكاتدرائية القديس يوحنا بلوحاتها الجدارية الهامة.
مدينة ليماسول:
تعد مدينة ليماسول أكبر مدن قبرص بعد نيقوسيا، حيث يبلغ عدد سكانها 157.600 ألف نسمة طبقًا لتعداد السكان الصادر فى عام 1420ه/ 1999م.
وهى تقع على الساحل الجنوبى الجزيرة وتعتبر ميناء قبرص التجارى الأول.
بدأت مدينة ليماسول فى الظهور لأول مرة على خريطة قبرص منذ القرن الخامس الميلادى فى عهد الإمبراطور البيزنطى تيودوسيوس الثانى “Theodosios” الذى حكم فى الفترة ما بين سنة 408م وحتى سنة 450م.
وفى خلال العصور الوسطى شهدت قلعة ليماسول الزواج التاريخى لملك إنجلترا الشهير ريتشارد قلب الأسد، والملكة برنجاريا، والتى توجت بعد ذلك ملكة على إنجلترا، ومنذ ذلك الحدث أصبحت هذه المدينة مقرًا رئيسيًا للصليبيين، وخاصة غرب المدينة، حيث شيدت القلعة الضخمة والتى تعود إلى العصور الوسطى.
وفى ظل الاحتلال البريطانى للجزيرة استغلت هذه القلعة لتكون سجنًا، ويشغل الطابق العلوى من هذه القلعة حاليًا "متحف العصور الوسطى" وهو يضم مجموعة هامة من السيوف والبنادق والخزف والعملات وكل أنواع الحرف اليدوية، ومن أهم متاحف ليماسول أيضًا متحف الآثار القديمة ومتحف الفن الشعبى والحدائق والمنتزهات كما يوجد سد جيرماسوجيا “Germasogeia”، والبحيرة المالحة فى منطقة أكروتيرى “Akrotiri” وهى تعتبر موطن لآلاف الطيور المهاجرة فى الشتاء، كما تعتبر موطنًا لالتقاء ملايين الطيور القادمة من أوروبا فى فصل الربيع والخريف، وبالقرب منها توجد عدة تلال حيث القرى التى تتميز بطبيعة الحياة الريفية.
ويتميز القسم الإسلامى من مدينة ليماسول القديمة بالشوارع الضيقة مثل شارع غاذى باشا، وشارع عصمت باشا، ويوجد بها الكثير من البيوت العثمانية والتى تتميز بوجود الشرفات بالطابق الأول منها، كما يوجد بها مسجد الأرناؤط والمسجد الكبير، وبالقرب منه يوجد الحمام التركي.
مدينة لارناكا:
تقع مدينة لارناكا فى جنوب شرق جزيرة قبرص، ويبلغ عدد سكانها 69.700 ألف نسمة طبقًا لتعداد السكان الصادر عام 1420ه/ 1999م وهى ثانى أهم موانى الجزيرة تجاريًا وبها منتجع سياحى هام، وإلى الشمال من الجزيرة يقع معمل تكرير البترول الخاص بالجزيرة، أما فى الجنوب فيوجد مطار لارناكا.
والجزء القديم من مدينة لارناكا يتميز مثل بقية المدن الأخرى بالمنازل المشيدة من الطوب المصنوع من الطين، وبدراسة التطور التاريخى لنشأة وتطور مدينة لارناكا، وفيما يتعلق باسم مدينة لارناكا فهناك العديد من النظريات والتفسيرات العلمية لهذا الاسم وهى أنه من المعتقد أن الاسم مشتق من كلمة لارناكس “Larnax” وهى كلمة يونانية قديمة كانت تطلق على نوع من التوابيت الحجرية التى تم العثور عليه فى الجبانة القديمة بمدينة لارناكا، وتعنى أيضًا كلمة لارناكس “Larnax” الصندوق الخشبى أو السفينة أو المركبة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة