فى كل يوم ننشغل بحكايات كثيرة منها المفيد ومنها ما دون ذلك، وفى الفترة الأخيرة انشغلنا بيوسف زيدان وأفكاره التى يراها البعض «استفزازية»، بينما يراها عدد أقل «تنويرية»، المهم أن الغالبية غير متقبلة لطريقة يوسف زيدان فى تقديم هذه الأفكار ولا السياقات التى يضعها فيها، ومع ذلك أقول بأننا نحن من نمنحه الاستمرارية.
عن نفسى لست ضد نقد التراث ومحاسبة التاريخ لكننى لا أتفق مع طريقة يوسف زيدان لكونها تعتمد على «التجزئة» وهى طريقة وقع فيها الكثير من الباحثين من قبل، وعادة ما يكون وراء هذه التجزئة وهذا الانتقاء اختيارات سياسية أو دفاع عن أنظمة حاكمة وغير ذلك من الأمور الخارجية، أو ربما يكون السعى الشخصى لصناعة الشو والبحث عن دائرة الضوء هى السبب الرئيسى لتبنى هذا المنهج، والباحث الناجح فى هذه الطريقة هو من يتوجه بخطابه إلى العامة فيقلب لهم الأمور التى يعرفونها ويبدل لهم ما يرونه حقائق، ويستشهد لهم بما قد نسيه المؤرخون أو ذكروه على هامش كتبهم، لأنه يدرك أن الجدل مع المتخصصين لن يكون فى صالحه من الأساس.
لكننى فى الوقت نفسه لا أسعى إلى محاكمة يوسف زيدان أو سجنه أو منعه من الكلام والكتابة، لكن أعترف بأن حماسى له تراجع بشدة عن البدايات، لأنه صار واضحا تماما فى ممارسة عملية «الانتقاء» وفى التوجه الذى يسعى إليه، من قبل كنت أرى حديثه عن الشخصيات الإسلامية هى مجرد «وجهة نظر» وكان لديه ما يدعم به كلامه، وسواء اتفقنا او اختلفنا معه لكنه كان يظل فى دائرة الخلاف فى الرأى، أما أن يمارس منهجه هذا فيما يتعلق بالأرض المحتلة وإسرائيل فإن ذلك خطرا كبيرا، ويوسف زيدان يعرف ذلك جيدا.
وفى رأيى أن الحل لما يفعله يوسف زيدان هو «التجاهل»، تخيلوا أن الدكتور يوسف زيدان قال فى التليفزيون ما شاء له أن يقول وكتب فى الصحف ما شاء له أن يكتب، ولم يعلق أحد على ما قاله أو يرد على ما كتبه، كيف ستكون النتيجة؟ ستكون النتيجة فى صالح الجميع أولا الإعلام الذى يكسب من وراء هذه الضجة لن يجد ما يكسبه، وبناء عليه لن يمنحه كل هذا الوقت الذى يمنحه له، والصحف التى تستكتبه عندما تجد نفسها لا تربح شيئا من كتابته «الانتقائية» لن تمنحه هذه المساحة، وهو سيبدأ فى مراجعة نفسه، وسيلجأ إلى استخدم أساليب علمية حقيقة فى مناقشة الأحداث، أو ربما يتفرغ للكتابة الأدبية فتخرج بصورة أفضل مما هى عليه الآن.