طفل رضيع تحمله "طفلة" لم يشتد عودها بعد لتحمل مسئوليته، تنظر له بعينين حزينتين لا تعرف ما يخبئه القدر لهما، وربما لا تدرك أصلا كيف أصبحت أما مسئولة عنه بكل تفاصيله فى حين أنها بداخلها مازالت ترى فى نفسها طفلة لم تتخطى 16 عامًا؟.
تتذكر "م.خ" مشهد البداية منذ عامين حينما كانت تلعب مع أقرانها بالمنزل، غير عابئة بأى شىء، لتستمع لصوت والدتها تطالبها بأن تأتى "عشان تزوقها" لتهيئتها لمقابلة "العريس" المنتظر، رجل فى الخمسينات يجلس منتظرًا إياها ليفحصها جيدًا قبل إتمام "العقد" أو بمعنى أدق "الصفقة"، وتتزوج وتنجب طفلها الأول لتعيش حياة مليئة بالمشكلات والبؤس تنتهى بعد عامين فقط بطلاقها وطردها من المنزل هى ورضيعها وهى فى سن الـ16.
"م.خ" واحدة من آلاف القصص المؤلمة التى تمثل واقع أزمة زواج القاصرات فى مجتمعنا، والذى يشارك فيه العديد من الأطراف والعوامل من أهل قرروا التفريط فى بناتهن، وظروف اقتصادية صعبة لبعض الأسر، وجهل أحيانًا بمنطق أن الزواج فى سن صغيرة هو "ستر" للفتاة، بصرف النظر عن ما قد يئول له هذا الستر إلى فضح وطرد وتدمير أسر باكملها.
المأساة التى يخلفها زواج القاصرات لا تتوقف عند هذا الحد فقط، وإنما تتطور إلى ما هو أبعد من ذلك، تتطور لأزمات صحية واجتماعية ونفسية لا نهاية لها نسردها على لسان الأطباء فى هذا التقرير:
ما الأضرار الصحية التى تتعرض لها الفتاة حال زواجها قبل سن الـ18؟
الدكتور أحمد التاجى أستاذ أمراض النساء والتوليد بكلية الطب جامعة الأزهر، قال إن الفتاة التى تتزوج قبل بلوغ الـ18 عاما تتعرض لمضاعفات صحية خطيرة خلال فترة الحمل والرضاعة وتربية الأطفال، ببساطة لأنها غير مؤهلة نفسيًا لتحمل مسئولية الأمومة فضلا عن كونها غير مؤهلة جسمانيًا لفكرة الزواج أيضا.
وأضاف أستاذ أمراض النساء والتوليد بكلية الطب جامعة الأزهر، لـ"اليوم السابع"، أن الفتاة التى تتزوج تحت سن 16 عاما تتعرض لمضاعفات صحية مثل تمزق المهبل عند ممارسة العلاقة الزوجية لأنها لم تكتمل جسدياً، بالإضافة إلى مشاكل صحية أثناء الولادة مثل نزيف أو التعرض لحالات تسمم الحمل قبل الولادة، وهذا يحدث بنسبة كبيرة للقاصرات، مشيراً إلى أنه علمياً يجب أن تتزوج الفتاة عندما تبلغ العمر 18 عاماً.
تزوجت وهى بعمر 12 عاما ونزفت حتى الموت أثناء الولادة
وذكر التاجى إحدى الحالات التى عرضت عليه خلال مسيرته المهنية قائلاً "عرضت على حالة من زواج القاصرات لفتاة تبلغ من العمر 12 أو 13 عاما تعانى من نزيف أثناء الولادة، وحاولنا إنقاذها فى إحدى المستفيات لكن دون جدوى، حيث توفيت إثر نزيف حاد أثناء الولادة، ووقتها ما تم اكتشافه أن أهلها زورا شهادة ميلاد لها بعمر 16 عامًا لإتمام الزواج، فى حين أن سنها لم يتجاوز 13 عامًا.
استشارى الصحة النفسية: زواج القاصرات يجعلهن يشعرن بالخيبة والمرارة بعد فترة من الزواج
الآثار السلبية لزاوج القاصرات لا تقتصر على الجانب الصحى فقط، وإنما تتمثل أيضا فى الجانب النفسى، وهو ما أكده الدكتور شاهين رسلان استشارى الصحة النفسية الذى قال إن زواج القاصرات منتشر فى القرى التى تقع بمحافظات الصعيد والأرياف، وأن أخطر أنواع زواج القاصرات هو الذى يأتى تحت بند زواج المتعة، بحيث يتم تزويج الفتيات من أثرياء كبار فى السن مقابل إعطاء أهل الفتاة مبلغا من المال.
وعن الأضرار النفسية التى تنتج عن زواج القاصرات أشار استشارى الصحة النفسية إلى أن الأزمة الأساسية تتمثل فى أن الفتاة فى هذه المرحلة العمرية لم يكتمل نموها العقلى والجسدى، وبالتالى لا تكون مدركة طبيعة المرحلة مقبلة عليها، وهذا ما يتسبب فى أضرار نفسية تحدث بعد فترة من الزواج.
وأضاف عادة ما تدرك الفتاة الحال الذى وصلت له عندما تقارن بين حالتها الاجتماعية وبين أقرانها ممن حققن أهدافا اجتماعية وحصلن على شهادات علمية ووظائف اجتماعية تصاب بخيبة أمل كما أنها معرضة للطلاق بعد فترة قصيرة من الزواج، وفى حالة أن يكون زواجها مؤقتا مثل زواج المتعة يتم تطليقها وهى فى سن المراهقة، وهو ما يكون انعكاساته النفسية أخطر بكثير.
وتابع "فى حال طلاق الفتاة فى سن المراهقة فإن ذلك يعنى أنها لن تجد ما يشبع رغباتها الجنسية التى تعودت عليها فى سن مبكرة، وهو ما ينذر لإصابتها بحالة من الشره الجنسى التى تكون دافعا أساسيا لها لممارسة العديد من العلاقات الجنسية بشكل عشوائى.
فتاة تزوجت وهى بعمر 14 عاما واتجهت للدعارة بعد الطلاق
وسرد استشارى الصحة النفسية قصة إحدى الحالات التى عالجها فى هذا الإطار لفتاة تبلغ من العمر 14 عاما تزوجت من رجل ثرى عجوز مقابل دفع مبلغ معين لوالدها، وبعد فترة قصيرة تم الطلاق ولم تجد الفتاة أحدا يشبع رغباتها الجنسية، فتحولت إلى ممارسة الرذيلة، وتعرضها للكثير من الحمل والسقوط المتكرر، كما أصبحت مصابة بالأمراض الجنسية الخطيرة وهى حالياً تبلغ من العمر 22 عاما وأصيبت بحالة اكتئاب.
أخصائى صحة نفسية: زواج القاصرات يسبب للفتاة الإصابة بالاكتئاب والمشاكل الزوجية
وأضاف الدكتور محمد هانى أخصائى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية أن زواج القاصرات ينتج عنه أضرارا نفسية للفتاة، حيث إنها تتزوج وهى لم يكتمل نموها الفكرى والنفسى والمعنوى وبالتالى لم تكن مستعدة لتحمل مسئولية الزواج وتقديم كل الواجبات والحقوق الزوجية، ما ينتج عنه نشوب الخلافات الزوجية واتهام الزوج لها دائماً بالتقصير، ويزداد الأمر خطورة عند الإنجاب، وإلزامها بتربية طفل غير مؤهلة تماما لتربيته، مؤكدًا أن تطور التأثير النفسى السلبى لكل ذلك قد يصل لحد الإصابة بالاكتئاب.
فتاة تزوجت بعمر 15 عاما وهربت من البيت بعد إصابتها بالاكتئاب
وسرد أخصائى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية إحدى حالات زواج القاصرات التى عرضت عليه خلال عمله، لفتاة انتهى بها الحال للهروب من منزل زوجها، لافتا إلى أنها كانت تبلغ من العمر 15 عاما وتزوجت من شاب يبلغ من العمر 22 عاما، ونتيجة عدم اكتمال نموها الجسدى والفكرى، واجهت العديد من الخلافات مع الزوج حتى أصيبت بحالة اكتئاب شديدة انتهت بها للهروب من المنزل، وبحث عنها أهلها فترة طويلة لإعادتها مرة أخرى وبدأت فى الخضوع لجلسات علاج نفسى مكثف لحل الأزمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة