تنطلق فى الكويت غداً الثلاثاء القمة الخليجية، وإلى الآن لم تتحدد شكل المشاركات، وإن كانت هناك أنباء نقلتها وسائل إعلام كويتية أن المشاركة ستكون على مستوى جيد، وأن أمير قطر تميم بن حمد ربما يقدم اعتذارا لدول الخليج خلال مشاركته فى القمة، على ما اقترفه من أخطاء أدت إلى قرار الرباعى العربى «مصر والسعودية والإمارات والبحرين» قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الدوحة.
حتى الآن لم يتم تأكيد ذلك أو نفيه، وأيا كان الموقف فنحن أمام مناورة قطرية جديدة أعتقد أنها لن تأتى بجديد، فالدول الأربعة منذ البداية أرسلت رسائل واضحة لقطر، قوامها أنه لا للإرهاب وتمويله والتدخل فى الشؤون فى الداخلية ونشر الكراهية، وتسليم الشخصيات المتهمة بالإرهاب والموجودة على الأراضى القطرية، لكن قطر لم تريد الاعتراف بالمشكلة، مكتفية بالإنكار، ومع زيادة الضغوط عليها، اتخذت مجموعة من الإجراءات التى تأتى فى إطار الشروط العربية، لكنها قبلتها لإرضاء الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها على سبيل المثال توقيعها لمذكرة تفاهم مع واشنطن عن مكافحة الإرهاب، وهى المذكرة التى رفضت التوقيع عليها منذ عدة سنوات، لكنها الآن وقعت عليها، وبمقتضاها سمحت لمسؤولين أمريكيين بالوجود فى البنوك القطرية، وغيرت قوانينها لتسمح باستلام أدلة من خارج قطر، وقلصت الدعم الذى كانت تقدمه لمنظمات إرهابية متطرفة فى سوريا وليبيا، وقلصت الدعم المقدم لمنظمة حماس، وبالطبع هذا كله إيجابى، لكن مطلوب منها ما هو أهم، وهو الاعتراف بمشكلتها، فضلاً عن السؤال الأهم، وهو ماذا سيفعلون مع الأشخاص الموجودين فى قطر الذين يدعمون الإرهاب، والداعين للكراهية التى تبث عبر الإعلام القطرى، والتدخل فى الشؤون الأخرى للدول العربية؟.
إلى الآن قطر تروج لأكاذيب منها أنها تتعرض لحصار رغم أن المنطق والواقع يقول إن ما تتعرض له هو مقاطعة، لأن الحصار يعنى وجود طائرات حربية فى الأجواء القطرية، وسفن بحرية أمام الموانئ البحرية، وهذا غير موجود، ويؤكد استمرار آلة الكذب القطرية التى لم تترك شيئاً سيئاً إلا وفعلته، وهو ما يؤكد أن الحديث عن اعتذار أميرها فى القمة الخليجية إن حدث، لن يقدم جديدا، لأن ما ينتظره الرباعى العربى من قطر ليس أقوالا وإنما أفعال، لأنه لا أحد يستطيع أن يثق فى قطر لرصيدها السيئ من الوعود التى تنقضها دائماً.
الاعتذار القطرى وارد، لكن ما هى الضمانات التى ستقدمها، وهل سيأتى تميم للكويت وفى يده ورقة عليها تعهد بتنفيذه كل طلبات الرباعى العربى المشروعة، أم سيواصل سياسة التماهى لكسب الوقت، بالتأكيد الواقع يقول إن القطريين كاذبون ولا عهد ولا وعد لهم، وهو ما يؤكد أن القمة الخليجية لن تحقق الانفراجة المتوقعة من البعض، لأن الرباعى العربى لديه قائمة طويلة من الانتهاكات القطرية ولن يقبل بمجرد الاعتذار، وإنما بإنهاء كل مظاهر التدخل والإرهاب القطرى، وبعدها يمكن الجلوس للتفاوض حول المستقبل، وبدون ذلك لن يحدث جديد.
بطبيعة الحال تعول قطر فى أزمتها منذ البداية على مواقف بعض الدول الداعمة لها، وتحديداً إيران وتركيا وبعض الأوساط داخل الولايات المتحدة، وتعتبر أنها السند القوى لها فى مواجهة العرب، لكن هذا الدعم مشروط بأمور ذات تكلفة عالية تؤديها قطر كل يوم، فعلى سبيل المثال الدعم الأمريكى لقطر لم ولن يكون بدون مقابل، بل مرتبط بمصالح أمريكية فى الدوحة، منها القاعدة الأمريكية الموجودة فى العديد القطرية، وهى الأكبر على الإطلاق خارج الأراضى الأمريكية، وقد حاول الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش نقل القاعدة، لكن وزارة الدفاع الأمريكية رفضت لأنها تكلفت ملايين دفعتها قطر، ورغم أن بعض الدول الخليجية عرضت على البنتاجون بناء قاعدة أمريكية بديلة خارج قطر، لكن البنتاجون لا يبدو متحمسًا للفكرة، لأن وجهة نظره أن إنشاء القاعدة البديلة، يستغرق وقتًا قد يصل إلى سبع سنوات، وسيكلف أكثر من ثمانية مليارات دولار إضافة إلى أن الدوحة تتحمل الآن جميع المصاريف فى قاعدتى العديد والسيلية.
القاعدة الأمريكية تعد حاكمة لمواقف وسياسات واشنطن تجاه الأزمة القطرية، خاصة أن الدوحة كما قلت تقوم بدفع التكلفة بالكامل، دون أن تتحمل الموازنة الأمريكية دولاراً واحداً، وهو ما يصب فى الصالح الأمريكى، لكن واشنطن تراوغ أيضاً فى الأزمة لكسب مزيد من الفرص من الجميع، وخاصة من الدوحة، لذلك لا يمكن اعتبارها داعم مستمر للدوحة، بل يمكن فى لحظة فارقة أن تقف على الأقل على الحياد.
فى النهاية يمكن القول إن قطر تدمن سياسة المناورة، ومن المتوقع أن يعتذر أميرها، لكن العبرة كما قلت بالأفعال وليس الأقول، والحل يبقى فى أن تنفذ الدوحة مطالب الرباعى العربى المشروعة، وأن تتخلى عن وهم أنها تستند لدعم أمريكى إيرانى تركى، لأن هذا الدعم سيكلفها الكثير مستقبلاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة