بعد اغتيال الحوثيين للرئيس اليمنى السابق، على عبدالله صالح، انقلبت كثير من الأمور رأسا على عقب، وما حدث فى تلك العملية ليس اغتيال شخص بل اغتيال حل، تفجيرات صنعاء تصل تداعياتها إلى السعودية والإمارات وصولا للكويت، حيث تحضر قطر قمة دول مجلس التعاون الخليجى فى 5 و6 ديسمبر، رغم أن الدوحة غارقة فى صلب أسوأ أزمة دبلوماسية فى المنطقة منذ سنوات، وغير مسبوقة فى الخليج، وهناك ترتيبات مسبقة- أتمنى أن تنجح- لحل الأزمة، وأدعو الله ألا تكون على حساب فاتورة الإرهاب، علما بأن هناك اتجاها أمريكيا لنقل قاعدة العديد من قطر.
هنا لا بد أن نتوقف أمام أوراق اللعب، لأنه مع كامل احترامى وتقديرى، فإن «الملك» الذى يستطيع «نلم به أوراق اللعب»، هو مصر السيسى، وأن نتمكن خلال الثلاثة أشهر، التى أشار إليها سيادة الرئيس فى دعوته لرئيس الأركان من وقف الإرهاب ونزيف الدم المصرى.
هذا العنف غير المسبوق الذى بدأ بعد عملية مسجد الروضة «الأكثر قذارة فى تاريخ الإرهاب»، يؤكد أن الإرهاب يحتضر، وأن الدول الراعية له تدعونا لحل وسط، مبدئيا لا بد أن يعرف القاصى والدانى أن ما يحدث فى سيناء الآن مدعوم بمخابرات دول معروفة « إيران وتركيا وقطر»، وهؤلاء مرتزقة لاعلاقة لهم بالأديان، وهذا يذكرنى بما حدث فى الدير البحرى بالأقصر 1997، والهدف منه جرنا للتفاوض مع تلك الدول، خاصة بعد نجاح المخابرات المصرية فى تطويق القضية الفلسطينية، والملف السورى، بل ومحاولات الحوثيين المدعومين من إيران، يفتح المجال للحل الأمريكى بالفيدرالية فى اليمن، وإعطاء صعدة للحوثيين، ومن هنا يبرز إمكانية تدخل الدور المصرى فى اليمن، ما بعد على عبدالله صالح، لما لمصر من دور تاريخى فى اليمن، كما كان على الجانب الآخر لمصر دور بارز وواضح فى أزمة سعد الحريرى، وكيف أنقذت مصر الموقف وقيام الرئيس السيسى بحفظ ماء وجه دول الأزمة، واتصالاته بالرئيس اللبنانى والفرنسى والروسى وعمل الأرضية اللازمة لحل الأزمة، قبل أن يعبر الحريرى من مصر إلى لبنان، خاصة بعد موقف مصر الرافض لأى حرب مع حزب الله فى المنطقة، والربط بين ذلك وبين رفض إسرائيل القيام بأى هجوم على حزب الله فى لبنان، كل تلك الأوراق ستفرد الآن على مائدة قمة مجلس التعاون الخليجى، وهل ستقوى موقف قطر وتدفعها لمزيد من التشدد، خاصة أن اغتيال صالح رسالة من تميم وأنصار إيران؟
ما كدنا نخلص من ورقة الحريرى، حتى كشف اللاعبون عن ورقة الجنرال شفيق، وكأنهم لا يتعلمون من أخطائهم، أو تم تدشين ورقة «الاحتجاز الغامض» للشخصيات العامة، ويخرج علينا الجنرال شفيق ببيان يفيد بأن الإمارات منعته من السفر إلى «أيضا فرنسا»، وتقوم الدنيا ولا تقعد ويخرج علينا البعض باستخدام ورقة الجنرال كأنها «قميص عثمان».
كل تلك الأحداث والنجاحات الخارجية والنخب المصرية من المولاة أو المعارضة تستعين على قضاء حوائجها إما بالتطبيل أو بالتجريح، والبعض الآخر يعود بنا إلى الجلوس فى انتظار ماذا سوف يمكن لفريقنا أن يحقق فى كأس العالم بروسيا، وآخرون يحاولون أن يتخلصوا من عقدة الذنب بالبكاء فى مسجد الروضة، والبعض الآخر يستمر فى «الهرى» بقضايا تافهة ولا تستحق دون إبراز النجاحات الخارجية ومدى تأثيرها داخليا على جميع الأصعدة.
ولا شك أن نجاحاتنا الخارجية تحتم علينا سرعة التحرك لإعادة هيكلة ماسبيرو، وتعيين وزير إعلام وإطلاق القناة الإخبارية من أجل ضبط الإيقاع الإعلامى الذى تحول إلى فوضى تدفع جماهير المشاهدين إلى فقدان الثقة بهؤلاء البارونات والاتجاه إلى قنوات معادية أخرى، كما أن هناك ضرورة لإعادة النظر فى قانون العمل الأهلى، الذى يستخدم خارجيا فى تلك الأيام، كما لا أنسى قانون بناء الكنائس والتحديات التى تواجه تطبيقه، وأقترح أن يكون هناك وزارة لشؤون الأديان، تابعة للرئاسة، لضبط الإيقاع فى تلك القضية، بدلا من ترك الملف فى أيدى الأمن الوطنى، ويكفيه ما يتحمل من ملفات مصيرية، تجعله يدفع شهداء أبرارا، وتفعيل المجلس القومى لمكافحة الإرهاب، وكذلك انتهاء مجلس النواب من قانون مفوضية عدم التمييز، كل تلك القضايا تشكل ثغرات يستخدمها الكتائب الإلكترونية فى حروب الجيل الرابع والحرب النفسية، الأمر الذى يشوه الإنجازات الحقيقية التى حققتها مصر خارجيا وداخليا.
لقد نجحت مؤسسة الرئاسة والخارجية والأجهزة السيادية فى صنع «مركز عربى خليجى» بعد الانهيارات التى تمت فى المشرق، الذى كان يلعب نفس الدور، كل ذلك لا يراه الكثير من الإعلاميين ويصولون ويجولون فى قضايا «تافهة»، وللأسف أغلبهم تسيطر عليهم «السوشيال ميديا» وليس عندهم أى مسؤولية اجتماعية أو أخلاقية، ويتنقلون من التحرش إلى المثلية وزنا المحارم ومسلسل اختفاء وعودة الجنرال أو فضائيات الأعشاب وعودة الشيخ إلى صباه إلخ.
أتمنى أن يحفظ الله مصر من الجولات الأمريكية القادمة ومن توصيات إسرائيل بتوطين الفلسطينيين فى سيناء أو حل الآخرين مشاكلهم بدمائنا، ونحن لا نقدر مساحة التحركات المعادية إعلاميا وسياسيا من أجل إحداث نحر فى معايير الوطنية المصرية، الفضائيات تعج بغير المتخصصين والخبراء، ومن يفعل ذلك يضيع صوته فى مولد «عودة الجنرال»، واستضافة من يهاجمون القادة الوطنيين سعيا لشهرة ولت عنهم، أو صالونات تستضيف الراقصات، ليس أمامى سوى الدعاء بأن يحفظ الله مصر رئيسا وشعبا من الخطر القادم فى أعياد الميلاد، اللهم إنى قد بلغت، اللهم فاشهد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة