«الفجر عُمره ما قال للّيل: عن إذنـك/ يطلع.. يغمّـض عينيــك.. يصرُخ يصمّ أذنك/ يهجم.. يعرّيك.. يخليك تـحـترِم وزنـك/ مش كنت بتغنى للفجر السجين يطلع؟/ أهو اندلعْ.. ليه مقابل فرحتُــه بحزنك؟» هذا ما كتبه الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى عن واحدة من أهم الأحداث فى تاريخ فلسطين والعرب هى «الانتفاضة الفلسطينية الأولى» أو «انتفاضة الحجارة»، كما يحب للبعض أن يطلق عليها.
فى الثامن من ديسمبر 1987 دهست شاحنة إسرائيلية يقودها إسرائيلى من أشدود سيارة يركبها عمال فلسطينيون من جباليا فى غزة، وكانت السيارة متوقفة فى محطة وقود، مما أودى بحياة أربعة أشخاص وجرح 9 أشخاص آخرين، يومها، أدرك الفلسطينيون أن الحادث متعمد، لذا فى اليوم التالى 9 ديسمبر 1987 وخلال جنازة الضحايا اندلع احتجاج عفوى، بإلقاء الحجارة على موقع للجيش الإسرائيلى بجباليا - البلد، فقام الجنود بإطلاق النار دون أن يؤثر ذلك على الحشود، لذا طلب الجيش الإسرائيلى الدعم، وهو ما شكل أول شرارة للانتفاضة.
«من الزوايا والأركان/ خرج الطوفان/ ألوفات شبان/ اصعد يا دخان/ ابعد يا شيطان/ اجبن يا جبان/ رجع الاسم ورجع العنوان/ يغلى البركان/ ويفور/ ويدور/ اتهد السور/ طلع الإنسان/ الصدر العالى عليه الوشم/ خريطة الدم/ فلسطين يا أحلى الأوطان»، كان الفلسطينيون فى ذلك الوقت مثقلين بالهموم، يرون وطنهم يتفلت من بين أيديهم، ولا أحد يهتم، السلطة الفلسطينية خارج البلاد منفية، تدافع عما تتخيله موجود فى فلسطين، والعرب كلٌ مشغول بما لديه، وجيش الاحتلال يتمادى، لذا كان لابد أن ينفجر الأمر.
أعتقد أن الحالة النفسية التى دفعت الفلسطينيين لهذه الانتفاضة التى تعد واحدة من أفضل ما حدث فى التاريخ العربى تتشابه مع الحالة التى نعيشها اليوم بعد قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فالدائرة تضيق بشكل كبير والعالم فى موقف «المتفرج» لا يريد أن يقوم بدوره الحقيقى، والأزمات الاقتصادية تشتد، والقدس يخسر حائطه الأخير، والأرض تسقط فى يد جيش الاحتلال، والدنيا سكوت إلا من صوت الظلم.
أقول إن ما ظل يمنح الانتفاضة الفلسطينية بريقها، هو أنها كانت شعبية تماما، لم يفسدها نظام أو سلطة، كانت تعبيرا حقيقيا عن غضب، وهو ما نحتاج إليه الآن بشدة، بعيدا عن الأنظمة والحكومات، نحن فى حاجة شديدة إلى «ثورة غضب» ضد المحتل وأنصاره.