يوم 8 فبراير الجارى تكون قد مرت 9 سنوات على رحيل الأستاذ رجاء النقاش، لم ينتبه الكثير إلى ذكرى الرحيل ومرت فى صمت دون احتفال أو إحياء لسيرة واحد من جيل الرواد والمبدعين والمفكرين الذين أثروا الحياه الفكرية والأدبية، وقدم لها أهم الشعراء والأدباء العرب فى الستينات، فهو دائما ما كان انحيازه الأول للأصوات الشعرية والروائية الشابة، فقدم للمشهد الشعرى العربى والمصرى فى بداية الستينيات الشاعرين الراحلين محمود درويش وسميح القاسم، ولم تكن حرب 67 قد قامت ليهيمن العدو الصهيونى على باقى الأراضى الفلسطينية، كما كان الأستاذ هو أول من قدم الروائى السودانى الرائع الطيب صالح للساحة الأدبية فى مصر والوطن العربى.
قادتنى الصدفة الجميلة للقاء الأول به فى رحلة إلى اليمن قبل 16 عاما من رحيله.. سعادتى باللقاء لا توصف.. فهذا هو الكاتب والمفكر والناقد الكبير الذى قرات له واحببته قبل أن أراه.. هذا هو رجاء النقاش واحد من أصغر رؤساء التحرير فى مصر ومؤسس أهم وأكبر مجلة ثقافية فى الوطن العربى هى مجلة «الدوحة»، تواضعه وترحابه المدهش بى دفعنى للاقتراب منه أكثر طوال أيام الرحلة فى صنعاء، رغم صغر سنى أخذنى إلى عالمه السياسى والأدبى فى اليمن وقدمنى إلى كبار الشخصيات فى اليمن أتذكر منهم الدكتور عبد العزيز المقالح ومحمد على هيثم رئيس الوزراء الأسبق وباقى رموز المجتمع اليمنى، كان يعتبرنى «صديقه الصغير»، وقدمنى فى كل مناسبة بهذا الاسم إلى أصدقائه خارج وداخل مصر.
تعلمت منه الكثير ونهلت من علمه المتدفق وأفكاره وآرائه الفياضة، جلست إليه مستمعا إلى ثقافته الرفيعة الراقية وسائلا ومستمتعا كتلميذ فى رحاب العالم والأستاذ والمعلم، فى كل منه كان يهدينى إلى كتاب معين لقراءته، يفتح لى مساحات وفضاءات جديدة فى القراءة العميقة.
لم أفارق الأستاذ ودعانى للعمل معه فى مكتب «اليوم» السعودية بالقاهرة، خلال العمل كنت أكتشف فيه مساحات إنسانية واسعة معى ومع كل المحيطين به، إلى جانب خبرته الصحفية الكبيرة، لم يبخل أبدا بنصائحه لى، حكى لى الكثير من أسراره الخاصة، وائتمننى عليها حتى بعد موته.
كان الموت هو آخر معاركه فى الحياة الذى قاومها بصبر وفروسية لا تليق إلا به، رحل رجاء النقاش وترك ميراثا ثقافيا وإبداعيا وإنسانيا وأخلاقيا لا يهزمه الموت والرحيل أبدا، فقد انحاز فى مشروعه الأدبى والنقدى إلى ثقافة الشعب وعاش من أجل حرية واحدة لا تتجزأ.. هى حرية الفكر والإبداع وحرية الإنسان والوطن.. رحم الله رجاء النقاش.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة