يحلو لبعض البسطاء، لا أقول الجهلاء، أن يقارنوا أيام حسنى مبارك بأيامنا الحالية، ويمصمصوا شفاههم تأسيا وترحما على تلك الأيام الغابرة التى كان فيها الدولار بستة جنيهات والناس بتشتغل والحياة رخيصة والدولة مستقرة والاقتصاد مزهزه والاحتياطى 36 مليارا والديون أقل مما هى عليه اليوم، وتعلو هذه النغمة النشاز فى ذكرى أيام ثورة 25 يناير المسروقة، وخاصة 11 فبراير ذكرى تنحيه عن الحكم، ولا تعود تعرف فى زمن السوشيال ميديا، هل أنصار ومريدو مبارك وجمعية الفلول وأغنياء زمن الفساد السبع نجوم هم الذين يرددون هذه النغمة النشاز، أم أن هناك مجموعات من الناس تعتقد ذلك حقا؟
وهل يردد محاسيب مبارك وألاضيشه هذه النغمة النشاز حبا فى سواد عيون رئيس جثم على قلوبنا 30 سنة لمجرد أنه فتح لهم أبواب التربح على البحرى ومص دماء الغلابة دون حساب؟ أم أنهم لا يعنيهم مبارك ولا أهله ولا وضعه الصحى والاجتماعى بقدر ما يعنيهم الانتقام من الناس الذين أطاحوا بإمبراطوريات الكثير منهم.
الثابت أن هناك من البسطاء الذين كانوا يقضون أيامهم باحثين عن لقمة عيش، فرصة عمل صغيرة، قوت يوم بيوم، أمان ظاهرى يتمثل فى الانحناء لبطش الدولة الأمنية، حتى يستمر الحال على ما هو عليه، حياة أشبه بالحياة لكنها أقرب إلى الموت، ومستقبل رمادى باهت لا يبدو له أى أفق، أطفال فى العشوائيات، أمراض تنهش فى الأجساد، مصريون لأول مرة يأكلون من القمامة، يهاجرون بحثا عن أى ملجأ بعد أن لفظهم بلدهم، حتى لو كان الموت هو الاحتمال الغالب، المهم مغادرة البلاد التى ضاقت عليهم وانفتحت على البحرى للكبار الفاسدين بلا رحمة!
هؤلاء البسطاء الذين لم يعرفوا الحياة، والذين خرجوا فى ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو تعبوا من تأجيل الأحلام التى ثاروا من أجل تحقيقها، وأنهكوا خلال ثلاث سنوات من الصدمات المتتالية، بعد أن سلموا البلد إلى ذئاب الإخوان، وما كان لذئاب الإخوان أن يتسلموها ويسرقوا ثورة الناس، لولا مبارك نفسه الذى غض الطرف عنهم وتركهم ليتوحشوا ويضخموا إمبراطوريتهم السوداء ، وهؤلاء البسطاء الذين يعانون من آثار الإصلاح الاقتصادى وعلاج خلل أربعين عاما، قد يترحم بعضهم على مبارك وأيامه لكنهم يرفضون عودتها، لأن المياه لا تجرى فى النهر مرتين، ولأن الثورتين الكبيرتين اللتين هزتا المجتمع، غيرتا فى نفوس المصريين الكثير.
المصريون يا جمعية المنتفعين لا يرجون عودة أيام مبارك ، ولم يعرفوا قيمة له كانوا يجهلونها، وإنما يبحثون عن ذواتهم وعن طموحاتهم المؤجلة، وأظن أن الإصلاح الاقتصادى فور أن يؤتى ثماره، سيعرف المصريون الموضع الصحيح لمبارك ونظامه وجمعية المنتفعين من ورائه، وسيردون على من يريدون ابتزازهم أو تحريضهم أو تبكيتهم باستحضار صورة وردية زائفة لمبارك ودولته.