ماذا يعنى «تسويق مصر»؟
السؤال كبير، ومقاصده تختلف، البعض يقدم الإجابة عليه بوجهة نظر تتعامل مع مصر وكأنها سلعة تجارية مطلوب تزويقها ووضعها فى فاترينة عرض، والبعض يجيب عليه وكأن كل أزمتنا مع الخارج أن قضايانا الداخلية بلا شوائب، وأن أى انتقاد لهذه الأوضاع هو دليل مؤامرة.
نعم هناك من يتربص بنا فيستخدم وسائل الإعلام العالمية كمنصات للتشويه وتقديم صور غير حقيقية، ونعم مطلوب أن يكون لنا وسائل قوية للرد، لكن قوة هذه الوسائل لا تأتى بموظف يمتلك مواصفات سليمة فى جهات مختصة مثل الهيئة العامة للاستعلامات، أو بإنشاء «وحدة إعلام لتسويق مصر» كما يطالب الدكتور عبد المنعم سعيد، صحيح أن المواصفات السليمة مطلوبة وأساسية، لكن القصة فى هذا الموضوع لها أصول أعمق وأدق، تبدأ وتنتهى عند مدى قوتنا السياسية والاقتصادية، وعند تأثيرنا فى محيطنا الإقليمى والعالمى، وعند احترامنا للقانون ولحقوق الإنسان وللديمقراطية والنزاهة والشفافية، وعند قوة المجتمع التى يستمدها من احترام تعدديته وتنوعه والمحافظة عليها وجعلها مصدر قوة.
كل هذه الأشياء تكون أساسا متينا لمن يريدون تسويق بلدهم وصنع صورة لها وتقديمها إلى العالم، لو مددت البصر كى تتأمل حوادث الإرهاب التى تقع فى أوروبا، واطرح منها سؤالا على نفسك: لماذا يتم تجاوز تأثيرها سريعا، وتعود المجتمعات التى تضررت منها إلى عافيتها، حدث هذا فى فرنسا وبلجيكا وألمانيا وبريطانيا وغيرها، هل من المعقول أن هذه الدول تتعافى بإعادة تسويقها بتجميل صورتها أمام العالم دون حقائق صلبة تقف عليها، نعم هى أخذت إجراءات استثنائية فى بعض القضايا كى تحافظ على أمنها، لكنها تتعافى بتأكيدها على أنه لا تراجع عن كل المكتسبات التى حققتها فى كل المجالات وأدت إلى تقدمها، ولأن العالم أصبح قرية صغيرة بسبب وسائل الاتصال الهائلة فلن يستطيع أحد أن يزيف الحقائق، أو يحول القبح إلى جمال والعكس، نعم يحدث هذا فى بعض الأحيان لكن الزيف لا يصمد.
قل ما شئت فى أن لدينا هيئة استعلامات لا تقوم بوظيفتها كما ينبغى ومطلوب تقويتها بدلا من الإجهاز عليها، أو طالب بإنشاء «وحدة إعلام لتسويق مصر»، لكن لا تنس أساسك الذى يقوى ويبقى بالديمقراطية.