لم تكن القصة عاطفية، ولا مثيرة للمشاعر، ولا مسيلة للدموع، ولا موجعة للقلب، كانت أكبر من ذلك بكثير، تاريخًا يسطره الرائد كريم بدر، عن ملحمة متجددة على أرض سيناء، تركه السفهاء من أهل مواقع التواصل الاجتماعى، وانشغلوا بتوافه الأمور كالعادة.
تركوا قصة البطولة والتضحية والشجاعة والفداء والصبر والثبات، وكل حميد أظهره الرائد كريم بدر، وانهمكوا فى البحث عن «إفيه» للسخرية من بكاء الرئيس والحضور، وهم يسمعون تلك الكلمات المؤثرة، وكأن البكاء فى حضرة بطل يسطر قصة أسطورية عيب أو حرام.
كان الرائد كريم بدر، يحكى قصة المعركة الفاصلة فى سيناء، التى جرت بمنطقة كمين الرفاعى قبل عام، وأكثر، وأنا أستخدم كلماته للمقارنة بين تلك الدماء التى روت أرض سيناء لحمايتها من أكبر هجمة إرهابية كانت تهدف لإيهام العالم بأن سيناء فى قبضة داعش، وبين مابثته مواقع التواصل الاجتماعى والإخوان من شائعات وأخبار مزيفة عن سقوط أعداد ضخمة من شهداء الجيش المصرى، فى مساعدة واضحة وخيانة خسيسة تخدم داعش وأهدافها.
حسنًا، يقول سكان مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام، إنهم الأكثر قدرة على الفهم، والتحليل، فى وقت المباريات، كل فرد فيهم هو مدير فنى أفضل من مانويل جوزيه فى عز مجده، وفى وقت المعارك العسكرية كل منهم خبير عسكرى وجنرال أفضل من نابليون فى أعلى مناطق جبروته، وأقوى من الإسكندر فى أقوى أوقات نفوذه، ظهر ذلك جليًا فى كل الحوادث الإرهابية التى شهدتها أرض سيناء فى الأعوام السابقة، وتحديدًا فى العام 2015، الذى شهدت أيامه هجومًا إرهابيًا منظمًا على كمائن ومنشآت الجيش فى الشيخ زويد، وتجرأ القاعد على الفتوى للمجاهد، حتى اكتشفنا جميعًا أن القاعد لم يكن سوى أداة تحركها داعش لخدمة حربها النفسية، واكتشف القاعد فى وسيلة إعلام أو على «فيس بوك» أنه لم يكن سوى ساذج ابتلع الطعم وروج بكل ثقة بيانات من يصفهم بالإرهابيين الخونة والكذبة، بينما أعطى لنفسه حقًا غير مستند لدليل بالتشكيك فى بيانات الدولة الرسمية.
هزيمة ساحقة وخيبة ثقيلة، نزلت على رأس أهل «الفيس بوك وتويتر» وبعض وسائل الإعلام ممن ظنوا أنهم خبراء ومحللون عسكريون، ومر اليوم الصعب وداعش تزين رؤوسهم بطراطير على سبيل المكافأة، نظيرًا لحسن ترويجهم لأكاذيب الإرهاب، والتأثير على الروح المعنوية أحد أهم أسلحة الشعوب وقت الحروب.
تكلموا عن الهزيمة، روجوا لشائعات العدو، شككوا فى قدرات الجنود، قاموا بتخوين الأهالى، شتموا القيادات، سخروا من الأهالى، نشروا الرعب، استدعوا ما فى جوفهم من مخزون دموع التماسيح، تحدثوا عن الدماء، تكلموا عن أعداد ضخمة من الشهداء، تفننوا فى البحث عن المصائب فى مواقع مجهولة، ومن مصادر هم يعلمون جيدًا أنها تكره هذا الوطن، ثم خاب سعيهم فى آخر النهار، وأطلت النتائج تخبرنا أن الرجال فى سيناء دحروا الإرهاب، وأحالوا الأرض التى أرادها الإرهابيون تحت السيطرة إلى نار تأكل أجساد 100 منهم، وتلقى الرعب فى قلوب المجرمين، ثم ظهر الرائد البطل كريم بدر، بعد كل هذه الشهور ليوثق خيبة بعضهم، وحقد البعض الآخر وهو يروى القصة الحقيقية لما جرى فى كمين الرفاعى.
لم يفكر واحد من أهل «الفذلكة» فى قلوب العائلات الدامية، وهو ينشر أخباره وشائعاته المسمومة التى يعلم هو قبل غيره أنها لا تستند إلى مصدر واحد يمكن الوثوق فيه، ولم يفكر واحد من هؤلاء الذين انتحلوا وظيفة الجنرال العسكرى الخبير فى أن يبذل بعضًا من جهده فى البحث عن خبر كارثى لصالح الإتيان للناس بقصة بطولة من داخل أرض المعركة.. هم فقط يحبون التخريب، تخريب نفسية المصريين وتدميرها، أما القصص التى تلد فخرًا وفرحة فهم لا يحبون نشرها.. ليتجلى أمامك الآن قول الإمام على بن أبى طالب، حينما سألوه: كيف تصرع الأبطال وكيف تغلبهم؟ ما تنزل فى معركة إلا وقتلتَ من أمامك. فرد عليهم قائلًا: «إذا لقيتهُ كنتُ أُقدّر أنى أقتله، ويُقدّر هو أنى قاتله، فأجتمعُ أنا ونفسُه عليهِ فنهزمه»، هؤلاء هم رجال مصر فى سيناء، أما من تضخمت قلوبهم بماء الفجر فى الخصومة العكر فلا كلمة يمكن أن يكتبها التاريخ عنهم دون أن تكون مرفقة بالحقد والخيبة.