هل كان شعر العربية الأكبر «المتنبى» مجهول النسب، أو بالأدق: هناك شك فى نسبه لأبيه، وأن شعره هو الذى يدل على ذلك؟
هذه القضية طرحها عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين فى كتابه «مع المتنبى»، ولم يتركها الأستاذ محمود محمد شاكر «أبوفهر» تمر مرور الكرام، حيث شن هجوما عنيفا ضد عميد الأدب العربى على صفحات «البلاغ» يوم «13 فبراير مثل هذا اليوم» عام 1937 بعنوان «نقد كتاب مع المتنبى لطه حسين».
وشاكر «1 فبراير 1909 - 1997» له باع كبير فى مجال الدفاع عن الثقافة العربية مسلحا بالتراث العربى، ومن مؤلفاته «أباطيل وأسمار» و«رسالة فى الطريق إلى ثقافتنا» و«قضية الشعر الجاهلى»، وفى كتاب «المساجلات والمعارك الأدبية» «مكتبة الآداب- القاهرة» يأتى مؤلفه أنور الجندى بمعركة «شاكر» ضد طه حسين حول المتنبى.
قال طه حسين: «مولد المتنبى كان شاذا، والمتنبى أدرك هذا الشذوذ وتأثر به فى سيرته كلها»، ويستند عميد الأدب العربى فى رأيه على أنه إذا قرأت ديوان أبى الطيب مستأنيا متمهلا لا تجد فيه ذكرا لأبيه، وإنك تجده لم يمدحه ولم يفخر به، ولم يرثه ولم يظهر الحزن عليه حين مات، وهذا كافٍ فى تشكيك العلماء فى نسبه، وهو كافٍ فى اليقين بأن «المتنبى» لم يعرف أباه.
ويتعجب «شاكر» مما يذكره طه حسين متسائلا: «أيكون لزاما على كل شاعر أن يمدح أباه، وأن يفخر به، وأن يرثيه، فإن لم يفعل الشاعر ذلك فهو شاعر «لا يعرف أباه»؟، إنى أجد من الشعراء من فخر بأبيه، وأجد منهم كثيرا لا يعد كثرة من لم يفخر بأبيه ولا ذكره فى شعره، أفكل هؤلاء لم يكن يعرف أباه، ولا يثبت نسبه لضعفه وخسته؟».
يواصل «شاكر» مناقشة أسانيد طه حسين، قائلا: «إن إغفال الشاعر ذكر أبيه لا يدل على شىء ألبته، وإن الشعراء الذين لم يفخروا بآبائهم ليسوا أقل نسبا ولا أحط مغرسا من الذين فاخروا ونافروا بآبائهم، والتاريخ يحدثنا أن أبا جرير الشاعر لم يكن شيئا، وأن جريرا أضاف إليه من الخلال والخصال والأخلاق ما لم يكن منه بسبب حتى خلب به الشعراء وقهر به الفحول، ثم لم يمنعه هذا من أن يظهره للناس كما هو ليثبت لهم أن شعره كان أكبر من غروره، وأن طبع أبيه قد خذله وأعياه فأنجده شعره، وأعانه على أن يخلقه خلقا جديدا»، ويضيف شاكر»: «حقا إن طه حسين صاحب حيلة لا تفرغ، وحقا إن له فنا قد غلب به أهل الفنون، وحقا إنه لعبقرى، هذا الدكتور يقول إن شعر جرير قد أعانه على أن يخلق أباه خلقا جديدا، ومعنى ذلك أن جريرا قد صور أباه صورة ليس بينها وبين الحقيقة سبب ولا نسب».
يضيف «شاكر»: «أن الشعراء الذين لم يذكروا آباءهم فى دواوينهم ثم لم يمدحوهم ولم يرثوهم ولم يظهروا الحزن عليهم حين ماتوا ولم يفخروا بهم فى أشعارهم وقصيدهم لا تلزمهم لزمة الشك فى أنسابهم، ولا تلحق بهم معرة أن يكونوا لا يعرفون آبائهم، ثم هم ليسوا أقل شأنا ولا أخس نسبا ولا أنكد مغرسا من الذين فعلوا ذلك وأتوا به وذكروه فى أشعارهم، وأيضا فإن التاريخ يشهد بأن القليل من الشعراء هم الذين رثوا آباءهم وأمهاتهم وأظهروا الحزن عليهم فى أشعارهم أو فخروا بهم ومدحوهم فى قصيدهم، ولو أردنا أن نحرج الدكتور لقلنا: إن أبا الطيب عاش من سنة 303 هجرية إلى 354، وكان فى عصره هذا من الشعراء من لا تحصيهم كثرة، فهل هو بمستطع أن يدلنا على عدد الشعراء المعاصرين للمتنبى، الذين رثوا آباءهم أو مدحوهم وفخروا بهم أو بكوهم وأظهروا الحزن عليهم حين ماتوا؟
يؤكد شاكر، أن هناك إجماعا على صحة التسليم بما رواه الرواة بأن والد المتنبى كان سقاء بـ«الكوفة»، وأنه كان جعفيا صحيح النسب، وأن أمه كانت همدانية صحيحة النسب أيضا، والدكتور طه هو صاحب مذهب الشك فى الأدب، وهو مبتدعه والقيّم عليه وساقيه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة