عفاف عبد المعطى تكتب: حائط غاندى

الجمعة، 17 فبراير 2017 12:00 م
عفاف عبد المعطى تكتب: حائط غاندى عفاف عبد المعطى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

القصة فى أبسط معانيها درب من القول النثرى أو الكتابة ينقل أحداثا عبر شخوص طبقا لمبدئى التتابع والتحول، ولعل مصطلح القصة من أكثر المصطلحات شمولية حيث يكون منطوقا أو مكتوبا لكن المهم أنه ينقل حدثا أو سلسلة من الاحداث واقعية كانت أم متخيلة.

 

والقصة القصيرة من أصعب الكتابات فهى على حجمها تتطلب من مبدعها أن يقدم مضمونها فى حفنة كلمات دالة. تحتاج إلى يد مدربة على الكتابة بموهبة تعرف كيف تؤطر أحداث القصة متضمنة شخوصها بحضورها فى موطنين على الأقل هما البداية والنهاية.

 

مثل هذه النوعية تعبر عنه مجموعة الكاتبة الكبيرة عزة رشاد "حائط غاندى" التى صدرت خلال معرض القاهرة الدولى للكتاب بدورته الماضية عن دار كيان. تجنح كتابات عزة رشاد إلى اللا مباشرة فى الكتابة والتى تصل فى عدد من القصص إلى الفلسفة فى صياغة النص وتوريته بما يؤكد موهبة الكاتبة. أكثر من عشرين قصة تضمنتها المجموعة لن تجد تشابها بين إحداها، كل قصة اما حالة انسانية فى ذاتها أو هم اجتماعى أكبر لم يند إلا عن رؤية الكاتبة.

 

لن يدرك القارئ ان البطلة التى تجرب اغطية الرأس فى محاولة للتغلب عن المرض اللعين والمشاركة فى مظاهرات التحرير سوى مع نهاية قصة قبعة وبدائل اخرى، وقد استخدمت الكاتبة الصورة المشهدية الدالة على تلك الحيرة التى وقعت فيها المرأة وكتبرير لما سيلحق براسها قبل ان يؤكد لها الاطباء ان الشعر راجع بعد العلاج الكيماوى " لو عاد الشعر مجددا بعد العلاج" فى حفنة كلمات قدم السارد فكرة تعايش المريضة المقهورة مع واقعها الجديد وإدانة اجتماعية لمن يتعامل مع مريض هذا النوع من الامراض العضال " اتجنب سماع كلمات الرثاء من الاصدقاء الأذكياء"، وكذلك إدانة النص للسلطة التى لو شاركت السيدة المريضة بحالها هذا فى التظاهر لسحقتها، وفى النهاية ليس للمقهور سوى الاستسلام فتجلس تتابع المظاهرات عبر الشاشة. استخدام (ربما ) الدالة على الشك على مدار القصة تفيد التأرجح وقلق المرأة الموصوفة فى وضعها الجديد وتبريرها والاعتياد على القبعة سواء كانت طاقية مكة التى ستساعدها صيفا أو قبعة من الموهير أو الصوف للشتاء تؤكد على مهارة السرد.

 

ولذلك تظهر عزة رشاد كاتبة مسكونة بالهم الاجتماعى والتعبير عن قضية اجتماعية يعانى منها معظم الناس فى اقصوصة صغير هى ايضا حالة فتاة تقع ضحية لخلاف الوالدين الذين يجلسان فى وضع التحدى وبينهما الابنة المقهورة التى لم تخترهما وكفاءة السرد ظهرت فى كونها مروى لها من الراوى الفوقى الذى يصف حال الوالدين بينما يشرح حالها وهو الراوى والفتاة هى المروى له " تميلين للرأى الاول وتتفتق بداخلك بذرة حس ميلودرامى عن صبية معذبة وضائعة بين رجل وامرأة شاءت الظروف ان يكونا أمك وأبوك، لكن قدميك متجمدتان ولا يلاحظ اى منهما انك حافية أو انك بحاجة إلى عِناق" هنا يقع السرد ضمن قصة على قصة بمعنى وجود قصتين تحتوى إحداهما الأخرى كنوع من التجريب الذى يقدمه الكاتب كى يظهر تغافل الشخصية (الفتاة الضائعة بين ابوين مختلفين) عن انها اثر واع بذاته وضائع ضمن من حوله وهم الأقربين إليه.

 

ايضا من نوعية القصص فى مجموعة "حائط غاندى" للكاتبة عزة رشاد ما يطلق عليه "القصة الاطار" اى القصة المتضمنة لجمع من الحكايات الجامع بينها اطار القصة فحسب ففى قصة "رسائل بظهر الغيب" ما الذى يجمع بين الاستشهاد بقصة البوسطجى للكاتب الكبير يحيى حقى، واسم غاندى كتعبير عن حالة صاحبه الموصوفة فى القصة والعاهرة والتلميذة الصغير وأمها بائعة المناديل لتنتهى القصة بالتفجير كأنواع الجرائم البشرية التى لا تتوانى عن اذاعتها نشرات الاخبار لحظيا.

 

ما الجامع بين هؤلاء سوى القصة الاطار وقد سميت بذلك لأنها قصة متسعة تؤطر لقصص متباينة داخلها يجمعها جميعا اطار انها قصص لواقع اجتماعى رزيل. كل فقرة فى القصة هى قصة حالة انسانية مجسدة بحد ذاتها. الفقرة الاولى بوسطجى يحيى حقى الخائن للأمانة ومن شابهه فى واقعنا الحالى، الفقرة الثانية الفتاة اللعوب التى تبحث عن شنطة اهم ما فيها جيب صغير لا يظهر ولا يتسع سوى لحبوب منع الحمل، الفقرة الثالثة غاندى الشاب المناضل الذى اضرب عن الطعام بعد فشل العصيان المدنى فى نظام لا يقبل بالاختلاف ولا يزود عن العُصاة الفقرة الثالثة الشاب ذو النظارة السميكة – فى ايحاء مباشر للتمرد – الذى يرى اننا فى زمن نيرون وليس زمن جوتة الرومانسى، ثم الصغيرة التى تحمل امها فى يدها حقيبة "دمور – نوع من انوع القماش الذى يستخدمه الفقراء – " وتتركها عند المدرسة لترتاد الصغيرة المدرسة وتجلس الام لبيع المناديل الورقية. ولأن جريمة بوسطجى يحى حقى صغيرة إلا أنها فى النهاية جريمة اخلاقية راحت ضحيتها فتاة كما وصفها حقى منذ نصف قرن، لكن مجرم العصر الحديث الذى صدق انه زمن نيرون فترك حقيبة نيرون بمتفجراتها منزلية الصُنع وبدم بارد قضى على كل الموصوفين فى القصة " ووجدوا بجوار الاشلاء بقايا بقجة دمور وعدسات طبية سميكة وشريط من حبوب منع الحمل وورد دهسته الاقدام " هذه الجملة هى عبقرية القصة الاطار التى ضمنت حالات إنسانية متباينة كل منها قصة فى حد ذاتها فالمشهد الدامى لا يحتمل وجود الازهار التى داستها الأقدام.

 

تضم المجموعة كذلك ما يعرف بالقصة الشعرية وهو مصطلح نقدى غربى يدل على جنس سردى يستعير من الشعر لغته وأدواته. ففى قصة "حائط غاندى" المعنونة بها المجموعة يجد القارئ نفسه امام وصف حالة إنسانية أخرى لكنها على الرغم من اللغة الجميلة المعبرة عن تلك الحالة لا تمنح قارئها سوى المرارة على الدكتورة الجامعية التى رسبت فى الدكتورة ست مرات وذهب عنها جمال كلوديا كردينالى الممثلة العالمية المعروفة بجمالها وفى حفنة كلمات تنحو إلى اللغة الشعرية الرثائية لا يذكر السرد أن سبب رسوبها إن المرأة المتفوقة فى نظام اجتماعى خامل لا يساعدها لابد ان تصل إلى مرحلة الانسحاق، وكذلك قضية أخرى ضمنها النص القصير هى قضية أطفال الشوارع ذلك الصبى الذى سرق حقيبتها وهو يجرى اصابته سيارة ثم اختفت فلم يكن من الدكتورة التى هى فى الأساس أم إلا أن تحمله سعيا للتداوى وجماليات الصورة تظهر فى وصف الصبى وهو محتضن للحقيبة ويأبى ان يتركها وبين فقد الحقيبة بعد ان اخذته الدكتوراه لتداويه فلن يبق لها سوى الخير بينما ضاعت حقيبتها المسروقة وهى فى طريقها لإشفاء السارق.

 

استخدمت الكاتبة الكبيرة عزة رشاد فى مجموعتها القصصية "حائط غاندى" مسارا من الصور المتصلة فى همها الاجتماعى حيث كانت كل صورة دالة على شخصية أو عطب مجتمعى بأن نعانى منه جميعا، وقد وثقت صور الخطاب السردى بشخصيات واقعية تند عن صور معاناة وطن بأكمله تتتابع هذه الصور مُشكلة فيما بينها لنسيج هذا الوطن الخرب الذى يضم شخصياته القاصرة الهشة المتطرفة المقهورة الفقيرة المجرومة وكلها تشكل ذلك المجتمع الشائه الذى يعانى أفراده فيه ومنه.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة