أعلم أن أجيالًا كاملة لم تتطلع على شهادة الدكتور عمر عبد الرحمن، أمام نيابة أمن الدولة العليا، وهى الشهادة التى أدلى بها متهمًا، ولكنها كانت طوق النجاة الوحيد الذى أنقذه من حبل المشنقة، وإذا كان الموت قد غيب الرجل فإننى أعيد نشر هذه الشهادة، والتى يجب أن نقرأها جيدًا ربما تحتوى أيضًا على ما يجعل أتباعه يكفون عن سفك دماء المسلمين والأقباط والأجانب وإلى نص الشهادة:
يسأله المحقق: أنت حسب علمك وعقيدتك الإسلامية تعتبره كافرًا، هل الدماء تستباح بسبب العدوان على الإسلام أو برد الكفر؟ وأسألك: هل يجوز أن ينفذ الحاكم بيده أم أن التنفيذ واجب على الجماعة الإسلامية وبشروط فرضية الجهاد كما بينها المولى عز وجل فى كتابه؟
يرد الشيخ عمر عبد الرحمن: أجاز بعض الفقهاء أن يكون القتل للكافر وحده.. أما الذى لا يحكم بكتاب الله ونوقش فى ذلك وآثر القانون الوضعى وحكمنا عليه بالكفر، فإنه قد أضاف إلى الكفر الاعتداء على المسلمين، حيث لم ينفذ شريعة الله، ولأنه حين يناقش ويعدل عن الحكم بكتاب الله يكون تاركًا لدينه، والحديث ينص على حِل دمه، حديث أنه «من بدل دينه فاقتلوه»، وحديث «لا يحل دم أى مسلم يشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزانى والتارك لدينه المفارق للجماعة».. هذا عن الشطر الأول من سؤالك.
أما عن الشق الثانى فلا يجوز القتال إلا بالتمكين، فإذا لم يكن تمكينًا فلا قتال، والآية صريحة، وقول الله تعالى: «ألم ترَ إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة».. فلم يؤذن لهم بقتال وهم فى مكة، فلما جاؤوا إلى المدينة واجتمع المهاجرون والأنصار حول قائدهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ممكنين فى الأرض أذن لهم بالقتال، لقول الله تعالى «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير».
وأضاف الشيخ عمر عبد الرحمن : ولقد بين المولى جل شأنه شروط الجهاد بقوله «يا أيها النبى حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون * الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين».
يرد عليه المحقق قائلًا: ولكن الرئيس محمد أنور السادات رحمه الله أدخل فى الدستور لأول مرة فى تاريخ البلاد النص الذى يقول «إن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وقد وضعت القوانين الوضعية الحالية من قبل ولايته بزمان طويل».. وهو بهذا النص قد أعلن عن عزمه على إزالة التفاوت أو المخالفة، التى تكون بين بعض نصوص القانون والشريعة الإسلامية، فهل رغم ذلك يعد من الكافرين الذين يحاربون الإسلام.
يقول الشيخ عمر عبد الرحمن: أفهم من السؤال أننى قلت إن الرئيس محمد أنور السادات كافر.. أفهمه من كلمة «ولكن» فى أول سؤالك. والحقيقة أننى لم أقل ذلك ولا أعتقده، ولا أكفر مسلمًا لقول الله تعالى فى المشركين «فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم فى الدين» فما بالك بمن فعل ولم يكن مشركًا؟ وكيف يكون كافرًا وهو أولًا قد وضع فى الدستور هذا النص، وثانيًا: قاد حرب رمضان وفيها انتصار على اليهود، وثالثًا: أنى سمعت من أعضاء لجنة الفكر والدعوة بالحزب الوطنى أنه قال لهم قد صبرتم كثيرًا على من قبلى فتمهلوا على.. رابعًا: رده على التلمسانى عندما قال له «أشكوك لله». خامسًا: ما ذكره الشيخ النمر من أن الرئيس قال لهم فى اجتماع «أسرعوا بتنفيذ هذا الأمر». سادسًا: طرده للشيوعية التى كانت تهدد مصر فى عقيدتها وإيمانها بالله.
وغدًا نواصل نشر شهادة الدكتور عمر عبد الرحمن، الذى توفى فى سجون أمريكا.