عندنا حشود من الشباب الذين نسوا العديد من القيم فى صراع العيش والبحث عن فرص للحياة
«باااس انتباه يا دنس أحلى من الشرف مفيش يا آه يا آه»، كلمات خرجت من عبده دنس السكير «توفيق الدقن» فى فيلم «بحبك يا حسن»، الذى أنتج فى الخمسينيات لتلخص لنا الوضع كله، أتذكرها فى ضحك وألم، كلما قرأت عن حملات الأخلاق والفضيلة والقيم، التى تقوم بها بعض أجهزة الدولة الثقافية أو الدينية أو الإعلامية بهدف تربية الناس وتذكيرهم بالفضيلة والأخلاق، التى ضاعت من المجتمع المصرى، عندنا جيوش وحشود من الشباب الذى نسى أو تناسى العديد من القيم فى صراع العيش والبحث عن فرص للحياة، تصوروا أن الفهلوة والفساد والنفاق والاستحلال هى أفضل طريقة لتحسين أوضاعهم الاقتصادية الاجتماعية، ورغم حملات الحكومة ووصايا رجال الدين ونصائح المثقفين و«المتفزلكين»، تبقى الحقيقة مجردة واضحة شامخة جارحة، فحظ الفاسدين فى هذا المجتمع أفضل بكثير، وما يحصلون عليه كل يوم ويحصدونه كل ساعة يؤكد كذب المقولة الخالدة «لا يصح إلا الصحيح»، فعن أى صحيح تتكلمون والدولة والمجتمع يقعون كل يوم فى خطأ جديد ويمحون أى قدوة أمام الأجيال القادمة؟
بالله عليكم ماذا نقول لأبنائنا وشبابنا، حينما يشاهدون العجائز والمسنين وهم يتظاهرون للحصول على حقوقهم فى معاش يكفى بالكاد للدواء والعلاج، بعد أن خدموا الدولة سنين طويلة، وكانت النتيجة أن يهانوا ويذلوا للحصول على لقيمات تكفى طعامهم، وجنيهات تنفق فى علاجهم، فى الوقت الذى تتصالح فيه الدولة مع المسؤولين السابقين، فهذا يدفع مليارا، وهذا يدفع مئات الملايين لنمسح سرقات وجرائم مشهودة، أى نموذج وقدوة نقدمها للأجيال القادمة، إذا كانت النتيجة بهذه الصورة المتوحشة، فشرفاء الموظفين هم ضحية إهدار التأمينات وتدنى المعاشات والغلاء والتضخم، بينما من تربح وارتشى يسكن فى أفخر القصور والمنتجعات، وينفق بلا حساب، وقد لا يكفيه المعاش لغداء أو لعشاء، بينما الشريف يقف تائها فى طوابير الدعم أو عاجزا على أبواب الصيدليات، يلعن اليوم الذى لم يسرق فيه، ولسان حاله يقول: «مد اليد للحرام ارحم من مدها للتسول والشحاتة»، ماذا نقول لأبناء هذا الوطن وهم يسمعون الأباء والأجداد يتباكون فى الفضائيات، ويتمنون الموت عن هذه الحياة المهينة فى هذا الوطن البخيل، وكبار المسؤولين والوزراء السابقين يتصالحون فى صفقات عجيبة، ويطالبون بخصومات وتخفيضات ليرموا جزءا بسيطا من ثرواتهم الهائلة، ويعودوا إلى قصورهم بأكاليل الغار، كيف نواجه أولادنا والدولة تأتى بوزراء عليهم الكثير من علامات الاستفهام، حتى إن أعضاء مجلس الشعب الذين اعتادوا الموافقة خرجوا غاضبين وبين يديهم عشرات المستندات، التى تدين المبجلين والمختارين من السادة الوزراء، ولو افترضنا براءة ذمة هؤلاء المعينين، فلماذا الإصرار على إعطاء هذا النموذج وعدم الابتعاد عن الشبهات، ألا يكفينا التاريخ الأسود لعشرات الوزراء فى الأنظمة السابقة، الذين نهبوا ما نهبوا وسرقوا وما تركوا وخرجوا مبجلين مكرمين، رغم مصائبهم السوداء فى حق دولة بأكملها، ماذا نقول للأجيال القادمة حينما تنقلب الدولة فجأة على كل الكافيهات والمطاعم، وتحطم منها الآلاف وتقفل بيوت العاملين وتشردهم، بحجة أن هذه المقاهى والكافيهات غير قانونية وبلا تراخيص، فى الوقت الذى لم تحاسب فيه أى محافظ أو مسؤول فى المحليات عن هذا العبث، وكأن كل هذه المقاهى والمنشآت ظهرت فى يوم وليلة، ولم تكن أضواؤها تبهر الشوارع وإعلاناتها تغمر الفضائيات.
هذه بعض النماذج والقضايا التى يعيشها شبابنا فى هذا الوطن العجيب، الذى يفعل ما يريده، ويطنطن بما يريده الناس، فيحمى الأخلاق والقيم بالكلمات، ويشجع الفساد والتربح والاستغلال، ناهيكم عن مجتمع أصبح الفساد فيه أسلوب حياة، وأصبح للفاسدين واللصوص مكانة عظيمة واحترام هائل بوزن أموالهم المنهوبة، وأرصدتهم الحرام، بينما الشرفاء ليس لهم مكان، خاصة لو كانوا من الفقراء أو البسطاء.. فعلا أحلى من الشرف مفيش يا آه يا آه.
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
الشرف
كلام جميل ولكن أين فرص الحياه لكي أمسكها وأنول هذا الشرف