جميل أن تبادر الهيئة العامة لقصور الثقافة بإعادة طبع موسوعة العالمة الجليلة الدكتورة سعاد ماهر «مساجد مصر وأولياؤها الصالحون»، وإصدارها ضمن سلسلة ذاكرة الكتابة، فى خمسة مجلدات، بسعر زهيد. فموسوعة الدكتورة سعاد ماهر لا غنى عنها لكل بيت مصرى، لأنها زاد ثقافى وروحى كبير يكفى حامله مواجهة قصف العقول وحروب الثقافات وهجمات العدميين الجدد.
الطبعة الجديدة يقدمها الدكتور محمد حسام الدين إسماعيل باستعراض للتاريخ العلمى للدكتورة سعاد ماهر، وكذا استعراض لمحتويات الموسوعة بأجزائها الخمسة، ويصدرها الشاعر الصديق جرجس شكرى برؤية عن علاقة العمارة بالدين وكيف خرج الفن المعمارى من رحم الدين عموما سواء الديانات الأولى أو الديانات السماوية، وتحولت إلى فضاء للعلم والمعرفة والدراسة والنضال الوطنى كذلك.
بالطبع لا يمكن الإحاطة بموسوعة الدكتورة سعاد ماهر فى هذا الحيز، لكنى أود تسجيل فرحى الشديد بإعادة إصدارها وطرحها أمام الأجيال الجديدة المحاصرة بالتطرف والإرهاب والعنف باسم الدين، وأدعو وزيرى التعليم والتعليم العالى إلى اقتنائها وطرحها أمام الطلاب فى جميع المدارس الثانوية ومكتبات الجامعات وإقامة الندوات التثقيفية بالمدارس والجامعات للتعريف بمحتوى هذه الموسوعة الشاملة الفريدة.
يكفى أن يعلم الشباب الطالع من خلال هذه الموسوعة كيف أحب المصريون مساجدهم وأضرحتهم ومزاراتهم وكيف تطورت وظائفها وعمارتها، فلم تقتصر وظيفتها على أداء الصلاة، بل كانت تؤدى وظائف أخرى عديدة، ففى أروقة المسجد وحول أعمدته كانت تعقد حلقات الدروس والوعظ، كما كانت تعقد جلسات فض المنازعات الدينية والمدنية، كما كان المسجد يشتمل على بيت المال، أى وزارة المالية والبنك المركزى فى أيامنا، ثم ألحقت بالمساجد مدارس العلم المتخصصة على المذاهب المختلفة وتكايا الفقراء وأبناء السبيل.
وعندما يقرأ شاب فى «مساجد مصر وأولياؤها الصالحون» ما سطرته الدكتورة سعاد ماهر عن مقام العارف بالله ذى النون المصرى مثلا، سيطالع سطورا عن حياة قطب زمانه ذى النون وكيف تفرد بالعلم وكيف هاجمه أهل زمانه ووشوا به عند الخليفة الذى طلبه فجاء إليه مع البريد، وعندما دخل ذو النون على الخليفة فى مجلسه ظهرت أحوال وعلوم العارف بالله وعاد إلى مصر سالما غانما، كما سيطالع وصفا دقيقا عن عمارة المسجد والمقام وأحوال العباد فى ذلك الزمان.
الموسوعة التى بين أيدينا هى سجل حافل للعمارة والحياة وأهل العلم وتحولات المسلمين، منذ بناء المسجد النبوى وحتى أواخر القرن العشرين، أى أنها سجل حافل بالتاريخ والثقافة والفن، كما أنها تقدم رؤية بديعة لعلاقة المسلمين بمساجدهم وعلمائهم، نتمنى أن نستعيدها، لأن فيها الكفاية عن كل رؤية همجية غربية أو وحشية صحراوية مما ابتلينا به فى السنوات الأخيرة.