تعلمنا ممن سبقونا فى الماضى مقولة غاية فى الأهمية، لم ألتفت حقاً إلى عمق معناها إلا بعد أن وصلنا إلى ما نحن فيه من تردى العلم وانعدام الأدب وهى :"الأدب فضلوه على العلم".
سيادة وزير التربية والتعليم الفاضل : رسالتى لسيادتك قد تكون خارجة عن المألوف فقد نادى الكثيرون وأنا منهم فى السنوات الماضية وحتى يومنا هذا بضرورة إنقاذ منظومة التعليم التى هوت بأجيال بعينها وما زالت تهوى، إلا أن يكون هناك فارساً شجاعاً يقوى على قلب تلك المنظومة الفاشلة رأساً على عقب وإعادة تشكيلها بما يتناسب مع تطورات العصر ونظم التعليم التى نراها فى بقية دول العالم التى نتطلع للوصول يوماً إلى ما وصلت إليه بفضل العلم .
ولكننى الآن أغرد خارج السرب :
وأتقدم لسيادتكم بنداء عاجل لإعادة بناء الشخصية المصرية الأصيلة المعروفة بالأدب وحسن الخلق واحترام الكبير والعطف على الصغير وتبجيل المعلم واحترام المدرسة والالتزام . بالزى --إلى آخره ، وذلك من خلال المدارس جنباً إلى جنب مع تطوير أساليب التعليم بل ربما أهم.
سيدى:
إذا انصلحت الأخلاق وترسخت القيم المفقودة من جديد ، ستنصلح أحوال التعليم وسيتأهل الطلاب الذين يتخذون العلم سخريا لإجلاله و تقبله وإدراك قيمته الحقيقية كما كان فى الماضى .
لعلك تعلم سيادة الوزير أن المدارس على مستوى الجمهورية كلها خاصة وحكومية لم تعد تدرج حصص الأنشطة والرياضة والموسيقى والزراعة والتدبير المنزلى فى جداولها، وإن تم إدراجها على الورق شكلياً تكون مجرد حصص فارغة للعب وخلافه !!
كانت مدارس الحكومة المجانى فى الماضى القريب تعج بمسابقات إلقاء الشعر والغناء والمسرحيات العالمية والحفلات الغنائية، هذا بحانب قداسة الحصص التعليمية وتبجيل المعلمين والالتزام بالواجبات والأنشطة.
وبعد بزوغ نجم المدارس الخاصة التى انتشرت بسرعة كبيرة عن طريق عدد من رجال الأعمال العتاولة بحانب رجال الدولة الأشاوسة ، فتحولت العملية التعليمية بين ليلة وضحاها إلى تجارة رابحة، و شيئاً فشيئاً تلاشت من برامج تلك المدارس الأنشطة التعلمية و الترفيهية و الفنية و الرياضية لتقليص التكاليف وزيادة الأرباح ، وبالكاد بقيت حصص المواد الأساسية التى يقوم عليها مجموعة من التجار ( المعلمين سابقا) فاقدى كافة مقومات المعلم الكفء المحترم المخلص الذى يراعى ضميره و تتم محاسبته إذا ما قصر فى واجبه !
فتحول المدرس إلى مسخ ، لا يحترمه تلاميذه ، إذ يتوجه إلى منازلهم فى نهاية اليوم ليتلقى مبلغاً من المال مقابل شرح الدرس الخصوصى الذى لم يكلف خاطره أن يشرحه بذمة و ضمير فى الفصل!
هذا بحانب توجس المدرسين والقائمين على المدارس خيفة من توبيخ أي من الطلاب الذين يدفعون آلافاً مؤلفة لإدارة المدرسة كل سنة !
فلم يعد هناك أدب ولا تعليم و لا خلق ولا قيم تُغرس فى هذه النبتة الصغيرة من خلال المدارس و يتم التأكيد عليها و تقويتها فى البيوت ، فتستقر و تتعمق و تتشكل بناءً عليها شخصية الطفل ثم الصبى ثم الشاب على مدار سنواته الدراسية بجانب ما يتلقاه من مناهج تعليمية !
أما عن مدارس الدولة التى كانت تُخرج أجيالا من كبار العلماء والأدباء و الفنانين والقادة ، فحدث ولا حرج ، فإن كانت المدارس الخاصة التى تتلقى المصروفات بالدولار حالها كما ذكرت من تدنى و تردى مستوى التعليم و الأخلاق ، فما بالك بمدارس المجان !!!
لابد من عودة مدارس الدولة بمواصفات الماضى ، و فرض الرقابة و تطبيق معايير الجودة على المدارس الخاصة ، ليسير الجميع على نظم ثابتة مُلزمة لا يتجاوزها أحد تضعها و تشرف على تطبيقها و الإلتزام بها وزارة التربية و التعليم ، و يكون للخارجين على القواعد عقاباً قاسياً و ربما إغلاق بغير عودة .
نهاية :
لا يصح إلا الصحيح ، ولن يحدث تطوير وطفرة و قفزة حتمية إلا بالتطهير العميق واقتلاع جذور الوباء والقضاء التام على كل أسباب الفشل والانهيار، فلنتجنب المسكنات والبناء بغير أساسات صالحة و متينة ، فلابد من نسف المنظومة برمتها بالقائمين عليها الذين حولوها إلى تجارة بحتة وإعادة بنائها على أسس الماضى من خلق وعلم وتربية بدنية وعقلية وروحية لربما تنصلح الأحوال وتعود مصر من جديد منارة للعلم و الدين والأخلاق .
اللهم بلغت اللهم فاشهد