الخلاف على مفهوم الديمقراطية وآلياتها ونماذجها لا يتوقف ولن ينتهى أبدا، التجارب الدولية عديدة ومتنوعة، هناك النموذج الأوروبى والنموذج الأمريكى، كما ظهرت مؤخرا تجارب دول شرق أسيا وأيضا هناك النموذج الهندى الذى يعد أكبر كيان ديمقراطى اليوم نظرا لتعداد سكانها الضخم، ويكمن الخلاف دائما على آليات الديمقراطية برلمان أو مجلس وطنى كممثل للسلطة التشريعية أو برلمان بغرفتين على الطريقة الأمريكية مجلس للشيوخ ومجلس للنواب، خلافات على قوائم التصويت هل نعتمد على القوائم المفتوحة أو المغلقة أو النسبية، توزيع الدوائر وتقسيمها ونسب السكان مقابل المساحة ونسب من لهم حق التصويت.
لكل دولة فى العالم ظروفها الخاصة، فتجتهد لتجد لنفسها آلية لتنفيذ ديمقراطياتها الخاصة ففى بعض دول شرق وجنوب أفريقيا تأسست مجالس تضم قادة القبائل والعشائر تشارك السلطة إلى جانب الحكومة والبرلمان والقضاء، لضمان تمثيل كل من له نفوذ ومصلحة من الشعب ليكون التمثيل النيابى والمشاركة فى السلطة أقرب إلى أفضل الأوضاع المثالية.
ومن ثم فإن الخلاف على أن ثقافة الديمقراطية طالما كان استنادا للصالح العام يعد أكبر وأهم ضمانة لنزاهة الانتخابات وضمان المسألة والمحاسبة للسلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، فالشعب هو مصدر السلطات الحقيقية وهو المراقب والمشرف الأول على أداء جميع السلطات، وهو المؤشر الحقيقى على حسن أداء جميع هذه السلطات.
إلا أن الخلاف الدائر الآن داخل اللجنة التشريعية بالبرلمان، بين ممثلى وزارة العدل ونواب الشعب أعضاء اللجنة والذى جاء عندما بدأت أولى جلسات مناقشة قانون الانتخابات الجديد وفقا لدستور 2014 ، الذى ينص على تأسيس اللجنة الوطنية للانتخابات ، وأن يتم استمرار اللجوء للإشراف القضائى على الانتخابات لمدة عشر سنوات تبدأ من تاريخ إقرار الدستور بمفهوم قاضى على كل صندوق، وأن يكون هذا الإشراف على جميع الانتخابات بأنواعها ، على أن يتم اللجوء إلى الموظفين المدنيين من أعضاء الأجهزة الحكومية لمراقبة وتنفيذ الانتخابات والتصويت بعد انتهاء مدة العشر سنوات.
لقد اعتمد الدستور مدة العشر سنوات كمهلة للحكومة وأجهزتها بشكل خاص وللشعب المصرى بشكل عام، لنشر ثقافة الديمقراطية ، فتكون هذه الثقافة هى ضمان نزاهة وشفافية إدارة العملية الانتخابية ، ولكن النواب رفضوا النص فى القانون على هذه المهلة وطلبوا أن يصدر القانون بعبارات تضمن أن يستمر الإشراف القضائى على الانتخابات مدى الحياة ، مشككين فى قدرة الحكومة على نشر ثقافة الديمقراطية خلال هذه الفترة ، وكذلك قدرتها على محاربة الفساد فى الجهاز الإدارى للحكومة ، فلا يكون هناك مساحات للتشكيك فى قدرة الموظفين الحكوميين فى الحفاظ على نزاهة الانتخابات .
نواب البرلمان أكدوا أن القاضى المستقل الموجود أمام كل صندوق هو الضمانة الوحيدة التى يمكن أن يعتد بها والتى تعود عليها المواطن المصرى للحفاظ على صوته فى الانتخابات ، وبدون هذا القاضى ، سيظل المواطن مرتابا فى نزاهة الانتخابات ، ولاشك أن ضمانات الإشراف القضائى تعد من الأهمية ، إلا أن الملاحظ أننا نعود بالتاريخ لمرحلة ما قبل انتخابات 2005 من دون أى تطوير أو تغيير للفكر.
بشكل عام الأمر يحتاج إلى كثير من التدقيق والمراجعة، فالقاضى الذى يقف أمام الصندوق لمراقبة عملية تصويت المواطنين ، هو جزء من العملية الانتخابية، فهذه العلمية تبدأ من لحظة إعداد القوائم الانتخابية وتنتهى بمرحلة إعلان النتائج، والتصويت هو المرحلة التى يشارك فيها المواطنون فى العملية الانتخابية إلا أن الظاهر لدى أن نواب البرلمان لم يلتفتوا إلى باقى الضمانات التى يحتاجها المواطنون لضمان نزاهة جميع مراحل العملية الانتخابية ، والمثير للقلق فى رأيى ليست المناقشات التى تتم الآن للقانون ، ولكن أداء البرلمان الحالى لاستمرار الرؤية التشريعية التى تفتقد لمسايرة الزمن ومستجداته والتى منها كيفية إستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة.
إن البرلمان مطالب اليوم أن يكون لديه القدرة على إصدار تشريعات حديثة عصرية ترتقى لفكرة بناء الدولة المصرية الحديثة تشريعات تعتمد على العلم وتتخذ من التجارب الدولية منهاجا لها، إنه جرس إنذار مبكر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة