أصبح من المعتاد، أن يخرج علينا أحدهم بكتاب «ركيك» لا علاقة له بالكتابة ولا بالفكر ولا بالمنطق ولا بالخيال وطبعا لا يعرف شيئا عن الفن، ورغم ذلك يتوافد الناس على شرائه، ويحقق مبيعات وتقام له حفلات توقيع ناجحة، فإن تعجبت، يقول لك البعض، لا تتعجب تذكر فى أيامنا كانت كتابات الدكتور نبيل فاروق الأكثر مبيعا، لكن أقول لهم «لا تظلموا نبيل فاروق».
كنا ونحن صبية مفتونين بما يكتبه نبيل فاروق، خاصة سلسلتى «رجل المستحيل، وملف المستقبل» نقتنى الروايات ونتبادلها ونتابع بداية الشهر بشغف فى انتظار صدور العدد الجديد، نخشى المفاجآت ونتمناها وندعو لانتصار البطل أدهم صبرى فى مغامراته التى يدافع فيها عن مصر وحقوقها، ونقرأ الكتاب مرة واثنتين وأكثر، ونخرج من هذه القراءة «متحمسين» راغبين فى الشعور بالنجاح وتحقيق القوة ولدينا حصيلة مهمة من المعلومات التى كان نبيل فاروق يحرص على الإشارة إليها فى الهامش، مصطلحات سياسية وعلمية واجتماعية وحوادث تاريخية، لدرجة أننى كنت أنقل هذه المعلومات فى أجندة خاصة واحتفظ بها معى، نفعل ذلك ونحن مدركين أن هذه رواية لـ«الفتية» للأولاد والبنات فى سن معين، لذا كنا نتعجب إذا ما وجدنا شابا يكبرنا فى العمر ولا يزال يقرأ كتابات نبيل فاروق.
لكن نبيل فاروق لم يخدعنا أبدا كانت كتاباته تطبع فى «المؤسسة الحديثة لكتب الأولاد والبنات» ولم يقدم لنا نفسه أبدا بصفته الكاتب البديل لأحد لا لكبار الكتاب ولا لصغارهم، لأن نبيل فاروق كان يتعامل معنا بصفتنا أطفالا، يعرف أعمارنا جيدا فيكتب لنا ونحن نشهد له بقدرته على صناعة الأحداث المثيرة.
فى العمر الذى كنت أقرأ فيه نبيل فاروق قرأت نجيب محفوظ ووجدته صعبا، لم يكن عقلى حينها قادرا على استيعاب الشخصيات وتطورها والأحداث وتشابكها والرؤية فلسفاتها والكتابة ورموزها، فقط رواية «ليالى ألف ليلة» هى التى أدهشتنى لأن خيالها كان مناسبا لخيالى الطفل.
تغير الحال وكبرنا وانتقلنا لمرحلة جديدة فى القراءة والاطلاع وأصبحنا قادرين على الوقوف أمام روايات مثل الأخوة كرامازوف والحرب والسلام وعناقيد الغضب وأولاد حارتنا ومائة عام من العزلة والعجوز والبحر ولا أحد ينام فى الإسكندرية وذهب مع الريح وانقطاعات الموت وغيرها من الروايات، لكن ظللنا شاكرين لنبيل فاروق حسن صنيعه، فقد جعلنا نحب القراءة ونسعى إليها، ونعرف قيمة الأشياء والخيال والوطن والأرض.
لكن يحدث الآن فى عالم الكتابة وتحت مسمى كلمة «رواية» أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، لا لغة ولا خيال ولا بناء شخصيات ولا فن، هى مجرد كتابات متداعية، ولأن الذوق الثقافى يعانى حتى بالنسبة للأولاد والبنات، وهذا مؤشر خطير، فإن هذه الكتب تجد لها سوقا وتحقق رواجا لا نظير له، وتقدم نفسها النموذج الحقيقى للروايات وتلك هى المشكلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة