* هذا السلاح تم استخدامه فى دول غربية وامتد لدول شرق أوسطية مثل إيران
يقص علينا التاريخ أن كل مبتدع منذ مسيلمة الكذاب حتى الآن يأتى برجال دين يبررون، ويبرهنون، ويمهدون، ويحللون لإمامهم ارتكاب المعاصى والقتل والقمع باسم الدين، بل تصوير ما يفعل بأنه ابتغاء مرضاة الله، فيكون الموالون والمؤيدون للإمام هم عباد الله الصالحون، بينما يكون المعارضون هم الفجار الآثمون، فيصبح قتلهم وانتهاكهم جسديًا واجبًا على كل مؤمن، فنرى مشاهد أصحاب اللحى وهم يحملون السلاح فى مواجهة الأبرياء فى سوريا وليبيا والعراق، نراهم وهم يذبحون ويغتصبون تقربًا إلى الله، فهؤلاء يدعون إلى دين آخر، دين فيه غلظة واستباحة للدماء والأعراض، دين غير دين الإسلام، فالآن المنطقة العربية إزاء مواجهة حاسمة مع قوى الشر الثيوقراطية، حيث تؤوّل مجموعات من المتأسلمين النصوص الدينية بتفسيرات ذاتية تمكّنها من الوصول إلى السلطة، مستخدمين أحط السبل، الدسائس والقتل واستمالة الأشخاص بالمال أو الإرهاب والنفاق والكذب على الله، مدعومين من دول تسعى لتفتيت المنطقة بالكامل وإضعافها.
فالثيوقراطية هى نظام يستمد الحاكم فيه سلطته أو شرعيته مباشرة من الإله، حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين، وتعتبر الثيوقراطية من أنواع الحكم الفردى، فلا يجوز لأحد مخالفة الإمام، باعتباره خليفة الله، وقد مرت أوروبا بهذا النوع من الحكم فى العصور المظلمة ما بين القرنين الخامس والعاشر الميلاديين، التى وصلت فيها سلطة الكنيسة والكهنة إلى أبعد من إخضاع الشعوب والملوك لسيطرتها، بل إلى الحرمان من دخول الجنة حال الطرد من رحمة الكنيسة، وبإمكانها أيضًا منح صكوك الغفران لمن تشاء أو كيفما اقتضت مصالحها، وسميت تلك الحقبة بالعصور المظلمة لمحاربة الكنيسة لكل عالم ومفكر وفيلسوف يخالف معتقداتها.
أما الإسلام فقد جاء لهدم الحكم الدينى الممثل فى عصمة رجال الدين، ولكن بعض كتّاب المسلمين قد خلطوا بين الحكومة الدينية كما عرفتها أوروبا فى القرون الوسطى، وبين نظام الإسلام، فالحكم فى الإسلام ليس حكمًا ثيوقراطيا، فالدولة الإسلامية ليست بهذا المفهوم، وعلماء الدين فى الإسلام ليسوا وسطاء بين العبد وربه، فضلًا على أن الدين الإسلامى نفسه ليس به رجال كهنوت، كما أن العلماء أو الحكومة فى الإسلام ليسوا أوصياء على خلق الله، لأن الحاكم ينتخب من الشعب، ويخطئ ويصيب ويحاسب ويعزل، وليس معصومًا، وليس فى الإسلام طبقة الكهنوت، وإنما يحكم فى الأمة أفضلها بشروط تقدمها وتختاره على أساسها لإدارة مصالحها فى الدنيا، فمهمة الحاكم فى الإسلام تكاد تكون تنفيذية محضة، سواء عن طريق التنفيذ الحرفى للنصوص، أو الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص، وليست سلطة مطلقة.
أما عن الشرق الأوسط، كما أسماه الغرب، هذه البقعة على الخريطة التى تموج بالصراعات منذ أمد التاريخ، كيف لا وهى محط أنظار، بل أطماع الجميع، فيها أكبر احتياطات للطاقة فى العالم، بالإضافة أنها عصب حركة التجارة العالمية، والأهم أنها مهد الأنبياء وانتشرت منها رسالات السماء إلى المعمورة شرقا وغربا، وعليه فهى محطة الانطلاق دائما لدغدغة مشاعر الشعوب دينيا، لتحقيق أهداف سياسية مغلفة بشعارات دينية، منذ الحروب الصليبية مرورا بقصة إقامة الكيان الصهيونى، وحتى حروب بوش فى أفغانستان والعراق التى سماها بالصليبية، وصولا لقرار ترامب الأخير بحظر دخول مواطنى 7 دول شرق أوسطية ذات أغلبية مسلمة للولايات المتحدة الأمريكية.
سلاح الثيوقراطية هو الدائم استخدامه فى دغدغة مشاعر شعوب الأنظمة الساعية للهيمنة، ولم يقتصر استخدامه على دول غربية فحسب، وإنما امتد لدول شرق أوسطية منها إيران بعد ثورة الشعب التى سلبها الخومينى وتركيا «أردوغان»، فكلاهما منذ ذوات الأجندات التوسعية فى المنطقة، أما عن الاستخدامات الموجهة للدول المهيمن أو المسعو للهيمنة عليها، فدوما يتأرجح حسب مقتضيات الظرف السياسى بين سلاح الثيوقراطية وأحلام الديمقراطية، وهنا تبرز وتتجلى أقذر ألاعيب أجهزة مخابرات دول الهيمنة، فى صناعة جماعات التشدد لخلق مساحات تبرر غزو الأرض لتحقيق ديمقراطية زائفة «الاستعمارية الجديدة»، وقد يكون من المؤسف أن مصر وعدد قليل من دول المنطقة تحاول إحباط هذه المخططات الشيطانية فتدفع فى تدعيم القوى الوطنية فى دول الصراع، بالإضافة لسعيها فى وجود قوة عربية مشتركة فى مواجهة الحلف السنى بقيادة تركيا والحلف الشيعى بقيادة إيران، فتسعى مصر دوما لاستعادة والحفاظ على كل الحقوق العربية، بينما يمهد آخرين، فى سبيل تحقيق مبتغاهم، المنطقة لحروب مذهبية لن تبقى ولن تزر.