كانت أمريكا أول من أعلن نبأ احتلال الحرم على لسان مساعد وزير خارجيتها هودنغ كارتر
حظى حادث احتلال الحرم المكى عام 1979 من جانب مجموعة من الرجال المسلحين الغلاظ الأشداء فى ساحة المسجد الحرام فى مكة، الذى تزعمهم الإرهابى الإخوانى جهيمان العتيبى باهتمام كبير من جانب عدد كبير من المستشرقين، الذين قدموا العديد من الأبحاث والوثائق التى ساهمت فى كشف تنظيم جهيمان العتيبى، الذى ظل داخل الحرم لمده 14 يوما حتى نجحت قوات الحرس الوطنى السعودى فى تحرير الحرم من هؤلاء المرتزقة الذين شوهوا الدين بأعمالهم، الدين الإسلامى الحنيف، بعد أن دنسوا أطهر بقعة فى الأرض وهى الحرم المكى، فتحت عنوان «حتى لا يعود جهيمان، حفريات أيديولوجية وملاحق وثائقية نادرة» لـِتوماس هيجهامر، ستيفان لاكروا وترجمه للعربية المهندس د. حمد العيسى، كشفت الوثائق التى ضمها الكتاب عن العديد من الحقائق من وجهة نظر المستشرقين الغربيين.
ومما جاء فى الكتاب أن أمريكا كانت أول من أعلن نبأ احتلال الحرم على لسان مساعد وزير خارجيتها هودنغ كارتر قبل أن تعلنه المملكة، واتهمت أمريكا إيران والشيعة بذلك، وبالمقابل رد الخمينى بأن الحادث خطة أمريكية للسيطرة على الحرم لتندلع مظاهرات عارمة فى باكستان ضد السفارة الأمريكية أدى لإحراقها وقتل دبلوماسى أمريكى، أما الاتحاد السوفيتى والشيوعيون العرب فوصفوا الاحتلال بأنه انتفاضة الطبقة العاملة، وهذا درس بليغ للمتلقى: الخبر واحد بينما تحليلاته حسب هوى المحلل، فحصِّن عقلك وارفع وعيك. وكانت السلطات السعودية قد قطعت جميع الاتصالات ومنعت الوصول لمكة حتى لا يتسرب الحدث وتطوراته، ويقول المترجم إنه من حسن حظ الحكومة السعودية أن وسائل الاتصالات الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعى لم تكن معروفة حينذاك.
وحاول المؤلفان تعليل هذه الحركة، وذكرا عدة أسباب، لكن أهم عامل منها حسب توضيح المترجم هو سرعة وتيرة التحديث التى أدت لتحرر المجتمع، علماً أن التحديث ليس مشكلة بحد ذاته، وإنما البلاء فى ضياع الهوية وفقدان البوصلة، وقد أشارت السفارة الأمريكية إلى أهمية التعاون مع الحكومة المحلية فى التحديث المتدرج بما لا يصادم بقوة الثقافة السائدة. ويضيف الباحث الأمريكى جوشوا تايتلباوم إلى ما تقدم أنه كان لفقدان العلماء استقلاليتهم فى نظر الناس بعد أن تحولوا لموظفين حكوميين برواتب أثر فى انخفاض قدرة المؤسسة الدينية على توجيه الناس، ويتساءل المترجم: هل دعم السعودية للجهاد الأفغانى كان لاسترداد شىء من شرعية النظام الإسلامية التى اهتزت بعد حادثة الحرم؟ وهو ذات التساؤل الوارد فى وثيقة للسفارة الأمريكية.
وفى لقاء الملك فهد- ولى العهد آنذاك- مع صحيفة السفير فى 09 يناير 1980 روت الصحيفة على لسانه أن مجلس الشورى سيعين خلال شهرين وبعد ذلك يتولى المجلس مناقشة النظام الأساسى وإقراره، لكن الذى حدث، لأسباب وجيهة ربما، أن النظام الأساسى صدر بعد هذا اللقاء باثنى عشر عاما، وعُين مجلس الشورى بعد صدور النظام الأساسى بعامين، ثم نقلت الصحيفة، والعهدة عليها، قوله: «بين المواطنين من هو أغنى من أفراد عائلتنا وإن أكثرنا كعائلة لا يتمتع بواحد فى المائة مما يتمتع به الكثير الكثير من المواطنين لا من ناحية السكن ولا من ناحية المعيشة». أما الأمير نايف فقد أصر فى لقائه مع ذات الصحيفة المنشور فى 10 يناير 1980 على استخدام السيف فى القصاص دون التفات للرأى العام الغربى، وفى عام 1434 وجهت وزارة الداخلية إمارات المناطق بإمكانية استخدام الرصاص فى القصاص بديلاً عن السيف، وفى اللقاءين تكرر تضايق الملك والأمير من غياب المهنية فى الإعلام، وتزوير الحقيقة. ويتبين من ملحق وثائق السفارات الأمريكية أن السفارة تفيد من الموظفين الأمريكان المدنيين والعسكريين فى تقصى الأخبار؛ فضلاً عن وجود مواطنين لبعضهم وظائف مهمة أو مكانة مرموقة ويتحدثون مع موظفى السفارة دون تحفظ! وعلى سبيل المثال: نقلت المصادر للسفارة أن أعداد القتلى والجرحى أكبر من المعلن عنها رسميا وغدا نستكمل رؤية المستشرقين لأخطر حدث فى القرن الماضى وهو احتلال الحرم المكى.