مضى أكثر من ثلاثة عقود على واقعة احتلال الحرم المكى من قِبل مجموعة دينية لم يتفق المحللون على توصيف أهدافها والدوافع التى أدت بها لإدخال السلاح والسيطرة على الحرم الشريف فى «20 نوفمبر 1979» لمدة أسبوعين قبل أن تتمكن القوات السعودية من إخراج المنفذين والمتآمرين بمساعدة من الدول الحليفة وقوات فرنسية خاصة بقيادة الكابتن بول باريل، أسهمت فى شل آخر فلول الجماعة التى قامت بالعملية وذلك فى «4 ديسمبر 1979».
واليوم نواصل نشر أجزاء من أخطر وثيقة غربية لـ«توماس هيجهامر وستيفان لاكروا» وترجمها للعربية المهندس د. حمد العيسى، وحملت عنوان «حتى لا يعود جهيمان، حفريات أيديولوجية وملاحق وثائقية نادرة»، حيث كشفت الوثائق التى ضمها الكتاب عن العديد من الحقائق من وجهة نظر المستشرقين الغربيين، يقول المؤلفان: «وقد جاء احتلال جهيمان العتيبى وأتباعه الحرم فى ظل أحداث مهمة حدثت فى ذلك العام، أى 1979، حيث اجتاح الاتحاد السوفييتى أفغانستان، وأنهت الثورة الإسلامية فى إيران حكم عائلة آل بهلوى، وجاءت فى ظل عزلة عربية لمصر بعد توقيعها معاهدة كامب ديفيد منفردة مع إسرائيل، كل هذه التطورات، وإن لم تكن فى ذهن منفذى العملية الذين كانوا مجموعة من الناشطين السعوديين الخارجين من عباءة السلفية، أيًّا كان تعريفها والمؤمنين بفكر قيامى و«مسيانى»، إلا أنها تدفع الباحث لقراءتها فى هذا الإطار وأخذ الأحداث نفسها بعين الاعتبار، وكما تقول الوثيقة، ولأسباب تتعلق بالدولة السعودية التى أنهت ملف العملية باعتقال وإعدام 60 أو أكثر من المتورطين فى العملية وسجن المئات، وأدى تعتيمها على ملفات الحركة والتحقيقات إلى ظهور تفسيرات متعددة لرمز جهيمان تتراوح بين الفهم الطبقى- الاشتراكى، وتصفية الحسابات التاريخية مع الدولة السعودية الحديثة ومواصلة كفاح حركة «الإخوان» الذين قاتلهم مؤسس الدولة السعودية الملك عبدالعزيز بن سعود فى معركة «السبلة» عام 1929، إلى فهم آخر مرتبط بالتحولات التى شهدتها السعودية وعمليات الحداثة والتحولات من المجتمع البدوى إلى المجتمع الحضرى، فبدوية جهيمان وسنوات هروبه من الشرطة السعودية أثرت فى البعد التحليلى لهذه الحركة.
ومن هنا بدا جهيمان فى كتب الناقدين للدولة السعودية ثائرا وفى كتابات أتباعه أو من تبقى منهم منظرا جهاديا له آراء فى شرعية الدولة السعودية، لم يعرف الكثير من التفاصيل عن الهجوم مع أن الدولة السعودية أصدرت كتابا صغيرا عن الحركة «وتموت الفتنة» 1980 سرعان ما سحب من الأسواق، وهو كتاب دعائى يتحدث بلغة الإدانة عن «الطغمة الخارجة» و«الزمرة» والخوارج الذين احتلوا الحرم المكى. ويقول المؤلفان فى وثيقتهم الغربية، إن عملية التعتيم السعودى من الأسباب التى أدت إلى الجدل حول شخصية جهيمان العتيبى وأتباعه، فأفكاره التى وضعها فى رسائله المعروفة والتى طبعت فى الكويت، تمثل المصدر لفهم الدوافع والأسباب التى أدت به وجماعته لمواجهة الدولة السعودية وتحدى شرعيتها، إضافة إلى الرسائل التى ظلت متداولة بين قطاع ضيق من المهتمين بالحركة وأفكارها، فهناك بعض الكتب بالعربية من مثل كتاب رفعت سيد أحمد «رسائل جهيمان العتيبى قائد المقتحمين للحرم»، وعدا ذلك روايات من كانوا جزءا من الحركة وانشقوا عنها قبل بداية الهجوم أو من سجنوا وخرجوا من السجن، وفى المحصلة فالأدبيات عن حركة جهيمان ظلت قليلة حتى وقت قريب.
وتشير الوثيقة الغربية إلى أنه مع ظهور السلفية الجهادية ومنظريها من مثل أبومحمد المقدسى، وانتشار مراكز البحث التابعة للسعودية أو لدول أخرى مهتمة بالظاهرة الجهادية السلفية، وظهور جيل من الكتاب السعوديين ممن تخلوا عن أفكارهم الجهادية وفتحت لهم الأبواب للكتابة فى الصحف السعودية وتلك فى الخارج، ونشر بعضهم مذكراته وكتبا، حيث قدمت هذه االمذكرات إضاءات على حركة جهيمان أصبح بأيدينا الآن تراث وكم من المعلومات يتمكن الباحث المهتم من دراستها والحكم عليها، وللحديث بقية.