أواصل الرد على مغالطات الأستاذ عباس الطرابيلى التى يزعم فيها، أن جمال عبد الناصر هو السبب فى أزمة حلايب بين مصر والسودان، طبقا لما ذكره فى مقاله أمس الأول بالزميلة «المصرى اليوم».
جاء تحرك رئيس الوزراء السودانى عبد الله خليل نحو حلايب أثناء الإعلان عن الوحدة بين مصر وسوريا، وفى 20 فبراير 1958 أرسل إلى الأمم المتحدة يشكو أن مصر حشدت قواتها العسكرية على الحدود المشتركة عند حلايب، وفى 21 فبراير اجتمع مجلس الأمن لنظر الشكوى لكن مندوب مصر السفير عمر لطفى سلم بيانا من الحكومة المصرية بتأجيل مسألة التنازع على الحدود إلى ما بعد الانتخابات السودانية، وطبقا لما يذكره محمد حسنين هيكل فى كتابه «سنوات الغليان»، أنه جرى بحث الموضوع فى القاهرة، وكان هناك رأى بدفع قوات مصرية إلى المنطقة، ورأى عبد الناصر أن الموضوع كله مؤامرة موحى بها من وكالة المخابرات الأمريكية على الأرجح لإفساد مناخ الوحدة بين مصر وسوريا التى كانت أجواء العالم العربى تموج بها فى تلك الأيام: «وسوف يكون مشهدا غريبا أن تتقاتل قوات مصرية وسودانية على قطعة أرض فى نفس الوقت الذى تقوم فيه مصر بعمل وحدوى كبير مع سوريا، ولا يجب أن نستسلم للاستفزاز».
ويحتوى كتاب «الغليان» على نص رسالة أرسلها العاهل السعودى الملك سعود بين عبد العزيز إلى الرئيس عبد الناصر جاء فيها: «مما يحز فى نفسى وفى نفس كل مسلم عربى، أن تصل ذروة الخلاف فى هذا الأمر إلى هذا الحد الذى يشمت بنا الأعداء»، وعرض الملك سعود الوساطة،لكن عبد الناصر أبلغ الدكتور محمود فوزى وزير الخارجية المصرية أن يبلغ السفير السعودى فى القاهرة «أن الأزمة بين مصر والسودان تم تطويقها، وأنه لم يعد بحاجة إلى وساطات مشكورة من جانب أحد من الإخوان العرب».
هناك وقائع أخرى تتفق جميعها على أن عبد الناصر كان اختياره الذى لم يحد عنه فى هذه الأزمة هو عدم إشعال حرب مع السودان، والشاهد تصريحه الشهير الذى قال فيه: «صلة الدم التى تربطنا بأهل السودان أقوى من الماء»، غير أن الأستاذ «الطرابيلى» يخرج لنا بتأليفه الذى يعنى أنه كان الأفضل لعبد الناصر أن يجعلها حربا مع السودان، فأى عبث هذا؟