53 عامًا تمر على رحيل المفكر والكاتب الكبير عباس محمود العقاد، الذى رحل عن هذا العالم فى 12 مارس 1964، ولا يزال الحنين إليه جارفًا، ولا تزال المقارنات تعقد بينه وبين الكتاب والمفكرين فى عصره والعصور التى تلتها، والتى عادة ما تنتهى لصالحه.
كثيرة هى المواقف الواضحة والجادة والحازمة التى كان عباس محمود العقاد بطلها، منها وقفته تحت قبة البرلمان حينما كان نائبًا فيه فى عهد الملك فؤاد، الذى أراد أن يلحق تغييرًا فى بعض مواد الدستور، فوقف العقاد وقال قولته الشهيرة «إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس فى البلاد يخون الدستور ولا يصونه»، هذه الكلمة المهمة كلفت العقاد تسعة أشهر من السجن سنة 1930 بتهمة العيب فى الذات الملكية.
وكذلك يحسب للعقاد «عبقرياته» التى استطاع من خلالها أن يقدم نوعًا من الخصوصية الإسلامية والعربية المهمة، وعلينا ملاحظة شىء مهم، هو زمن كتابة العبقريات، فالغرب كان محتلًا لمعظم الدول العربية، والمحتل عادة ما يكون هو النموذج الفكرى، يحاول الناس تقليده والبحث عن قوته، لذا فإن ما كتبه العقاد باكتشاف مناطق القوة فى التاريخ العربى والإسلامى والشرق كفيل للوقوف فى وجه هذه الفكرة، وتأكيد قدرة الشعوب الشرقية على صناعة عظمتها.
وفيما يتعلق بشخصه الذى تحول لـ«قدوة»، فالجميع يعرف أن العقاد كان رجلًا عصاميًا علّم نفسه بنفسه، حتى أصبح من أهم كتاب ومفكرى عصره، وحتى قال عنه البعض «جامعة معرفية تمشى على قدمين».
جانب آخر يكشف عنه تاريخ العقاد، فالكاتب الكبير كان معروفًا عنه حبه لشخص سعد زغلول، زعيم ثورة 1919، وكتب عنه ووصفه بالعملاق، وكان الزعيم من جانبه يحب العقاد، ويصفه بالكاتب الجبار، وبالطبع العقاد كان وفديًا، لكن ذلك لم يمنعه من الصدام مع مصطفى النحاس، واختلافه معه، بما يؤكد أن العقاد لم يكن يقدس الفكرة، ويدافع عنها بالباطل، بل يقف مع ما يراه ويظنه الحق.
وظل الرجل غير قابل للبيع والشراء حتى أن السفارة البريطانية عرضت عليه خمسة آلاف جنيه دفعة أولية، مع راتب شهرى يصل إلى ألفى جنيه، نظير أن يتوقف عن الهجوم عنها، لكن العقاد رفض وطرد مبعوث السفارة البريطانية.
تجربة العقاد تدفع كل كاتب للتفكير فى سؤال: لماذا يحترم الناس عباس محمود العقاد ويقدرونه حتى لو اختلفوا معه؟، الناس يفعلون ذلك لأن العقاد كان صاحب موقف معين، وهكذا يجب أن يكون الكاتب دائمًا.